من غرائب الأمور أن يتحوّل ملف قانون النقد والتسليف إلى أولوية تحتّم إدراجه على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء. ومن غرائب الأمور أيضاً، أن يتمّ الربط بين احتمال إدخال تعديلات على القانون وبين حقوق المودعين.
عندما خرج إلى العلن قرار تشكيل لجنة لاقتراح تعديلات على القانون، نصح البعض بتأجيل هذا النوع من النقاشات إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية، على اعتبار أن القانون يلامس صلاحيات حاكم مصرف لبنان، وهو منصب مسيحي ماروني، ولرئيس الجمهورية رأيٌ وازن في اختيار الشخصية التي قد تتبوأ هذا الموقع. وعليه، يُستحسن عدم المسّ بهذه الصلاحيات في ظل الشغور الرئاسي في بعبدا.
لكن هذا الرأي لم يلق آذاناً صاغية، وقيل يومها إن اقتراحات تعديل قانون النقد ستكون مجرد اقتراحات، وبهدف عدم تضييع الوقت، بحيث يصبح المشروع جاهزاً للمناقشة عندما يعود الانتظام السياسي، ويجلس على كرسي الرئاسة في بعبدا الرئيس العتيد. وحتى أعضاء اللجنة الذين درسوا القانون، وقدموا اقتراحاتهم، كانوا يعتقدون أن المشروع سيُحفظ في الأدراج بانتظار ملء الفراغ الرئاسي، وكانوا ينصحون من يسأل عن هذا الموضوع بأن يترّيث لأن البتّ في هذا الملف، كما كانوا يعتقدون، لن يتمّ قبل عودة الانتظام السياسي.
لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال تجاوز كل الاعتبارات المرتبطة بهذه القضية، وقرّر الدفع في اتجاه مناقشة المشروع، بما ترك علامات استفهام حول جدوى هذا التوقيت غير الموفّق، إذا سلّمنا جدلاً بحُسن النيّات. ورغم التأكيدات التي تحدثت عن تعديلات لا تمسّ صلاحية الحاكم، بل تتناول تنظيم عمل مصرف لبنان، ومجلسه المركزي، إلا أن كل تعديل يتناول إدارة المركزي، يلامس بشكل أو بآخر صلاحيات أو هيبة أو معنويات حاكم مصرف لبنان. وبالتالي، وبصرف النظر عن القرار الذي سيتخذه مجلس الوزراء في خلال مناقشة هذا البند، في الجلسات المقبلة، كان من الأجدى عدم إدراج المشروع على النقاش، وإظهار القليل من الاحترام لموقع رئاسة الجمهورية، خصوصاً أن منصبي حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش اللبناني، هما المنصبان الأكثر أهمية بالنسبة الى شريحة واسعة من اللبنانيين، وليس من اللياقة أو الكياسة، المسّ بهذين الموقعين في غياب رئيس الجمهورية.
أما بالنسبة إلى المودعين، فلا تبدو الذرائع التي يجري تقديمها للربط بين قانون النقد والتسليف ومستقبل الودائع منطقية، وعلى صلة بالواقع.