Site icon IMLebanon

«الهلال النفطي» الليبي والإرهاب يعجّلان الحل!

 

القصف الجوي المصري في ليبيا، لا يفتح جرحاً. بالعكس يدمل جراحاً عديدة، بعضها عميق وملتهب. قد يقول البعض، إنّ مصر تثأر لجراحها القديمة والجديدة. لكنّ الثأر لا ينهي مواجهة ولا خلافاً. مصر ليست على خلاف مع المنظمات الإرهابية، الناشطة واللاجئة في ليبيا. مصر في حرب مفتوحة معها، تنتهي مع نهاية «الإرهاب الأسود» الذي يضرب في قلبها، في عمليات جبانة ووحشية تطال أمنها القومي.

هذا القصف الجوي كان يجب أن يحصل منذ فترة طويلة. ربما خصوصيّة وضع مصر منذ ثورة 25 يناير حتى الآن، وتعقيدات الحالة الإقليمية، ومهادنة «السياسة الأوبامية» للإخوان المسلمين، دفعت باتجاه جمود الحركة المصرية. الآن بدأت تتغيّر الصورة. «السياسة الترامبية» فتحت منفذاً لعبور الموقف المصري المندفع ضد الإرهاب. السؤال ماذا بعد ذلك؟ هل تستمر العمليات الجوية التي تجرح لكنّها لا تبتر، أم تندفع مصر نحو شنّ عمليات بريّة في العمق الليبي؟

مستقبل ليبيا، في قلب الموقف المصري. حتى الآن لم يتقرر هذا المستقبل نهائياً، وإن كانت عمليّة رسم لمسارات الحلول قد بدأت، بفعل الضرورة بعد أن تحوّلت ليبيا النفطية، الى ممرّ طبيعي للإرهاب

واللاجئين يؤذي العالم كله وليس مصر وحدها. إنقاذ ليبيا من المنظمات الإرهابية، يساهم في درء الخطر عن مصر والجزائر وتونس والمغرب والتشاد ودول أفريقية. جميعها تعاني هذا الإرهاب بنسب متفاوتة.

عقد مؤتمر إقليمي لبحث وضع ليبيا، مهم جداً ومُنتج. لكن مهما كان ذلك مهماً، فإن انعقاده يُشكّل معجزة كبيرة، لأن الجزائر ما زالت تعتقد أنها الأحق بالقيادة، علماً أن المسألة تتجاوز ذلك بكثير، لتطال مستقبل النفط الليبي وتوزيعه. في قلب ذلك استمرار حصار مصر لتبقى ضعيفة اقتصادياً الى درجة الحاجة. هذا التنافس لن ينتج سوى استمرار النزيف، وإذا ما نجحت «الحرب» في إنقاذ ليبيا فإن المنظمات الإرهابية خصوصاً «داعش» منها ستنتقل الى «أرض خصبة» لها مثل الجزائر ودول جنوب الجزائر وليبيا الأفريقية.

في ليبيا اليوم محاولة جدية لإخراجها من «دائرة النار» الممزقة والإرهابية، قد لا يحب الكثيرون الماريشال خليفة حفتر ولا يتمنون لليبيا العودة الى العسكر. لكن الرغبات شيء، والواقع شيء آخر. مساعدو الماريشال يقولون إنّ قوات «الجيش الوطني الليبي» أصبحت تسيطر على 80 في المئة من الأراضي الليبية، وعشرة مطارات وقواعد من أصل 13 قاعدة ومطاراً. الأهم أن القوات نفسها تسيطر على «الهلال النفطي» تقريباً، وهي كلما نجحت في تثبيت مواقعها اتجه الوضع نحو الحسم. لا شك أن سيطرة قوات الماريشال على «الجفرة» وقاعدتها تمنحه قوة إضافية. لم يعد يبقى أمامه سوى الإمساك بطرابلس العاصمة وقاعدتها الجوية «معيتقية»، حتى تأتي اللحظة المناسبة للتوجه نحو «سرت» التي كان العقيد القذافي قد حولها الى ما يشبه العاصمة، وهي حالياً تعاني من تحصن «سرايا الدفاع عن بنغازي».

بعد «سرت» تأتي «مصراته» أو قبلها. المهم أنّ السيطرة على مصراته تُسقط الكثير من عوامل الصراعات وأسبابها. المعروف أن «مصراته» تضم أكبر قوة عسكرية، منذ ثورة فبراير. لكن مقاتليها نشروا الكراهية ضدهم خصوصاً في المنطقة بين القبائل بسبب ممارساتهم الميليشيوية والإرهابية ضد المدنيين.

في الواقع، إنّ كل الصراعات والحروب الجهوية والقبلية التي اشتعلت غداة سقوط القذافي، ناتجة عن تنافس مختلف القوى الميليشيوية على تقاسم النفوذ والثروات. في قلب هذا التنافس غرقت الدولة الليبية وضاعت. واقعياً، من أسباب توجّه الميليشيات القبلية نحو إلغاء الدولة الماضي القذافي، فقد زرع عبر نظامه القائم على «اللجان الثورية» هذا التزاحم والفرقة بين الجبهات والقبائل، شعار «الثروة والسلاح للشعب»، ما فتح مسارات تفتيت «الجماهيرية الليبية».

الجنرال خليفة حفتر، خرج محتجاً من قلب هذه «الجماهيرية»، وربما لأن «خيوطاً عنكبوتية» كانت تصل القذافي بواشنطن بسبب النفط، فشل احتجاج حفتر، فكان أن توجه إلى واشنطن مع العديد من الضباط والأفراد لسنوات طويلة. الآن العقيد أصبح ماريشالاً، وهو يستعد لاقتحام طرابلس برعاية أميركية – ايطالية – فرنسية – روسية – مصرية. أي كل ما يتوافر لإنجاحه، علماً أن السؤال الكبير يبقى كيف سيتم تقاسم «الهلال النفطي» الليبي ومعه عملية إعادة البناء الذي تحتاجه ليبيا؟

أيضاً ماذا سيبقى لمصر التي حان الوقت للبحث في كيفية دعمها اقتصادياً حتى لا يستمر نزيف توجه الشباب المصري إلى «جاروشة» الإرهاب؟ خصوصاً أنه عكس ما يظن البعض ويعمل فإن مصر – قوية تُعيد للعالم العربي شيئاً من قوته، بعد أن فهم الجميع في المنطقة أنه «لا يمكن لأحد إلغاء أحد».