IMLebanon

الجريمة والسلطة والرأي العام

 

لم تعد الجريمة السياسية في لبنان موضع تدقيق وكشف وتحقيق ومحاسبة. منذ وضعت سوريا الأسد يدها وصولاً إلى اليوم بات القتل السياسي وتركيب الملفات نهجاً. لم يعد المقتول قادراً على الإفصاح ولا القاتل مُضطراً لإعلان فعلته. فالدولة نفسها إنهارت وهي نفسها تحتاج تحقيقاً في ما آلت اليه، يؤدي الى محاسبة مرتكبي انهيارها ومن شاركهم جريمتهم. بدأ تجهيل الفاعل في الجرائم المتسلسلة، منذ اللحظة التي وُضعت أثقال الأمة جميعاً على حبل الإمبريالية والصهيونية والرجعية. فعندما يتم رفع السقف الى هذا الحد، يسهل تمرير الجريمة وتبرئة مرتكبيها. لا يعود مهماً من أمر ومن نفّذ ومن خطط، فتلك مهام صغيرة ليس ضرورياً التوقف عندها ما دامت المعركة ضد الإمبريالية بشيطانيها الأكبر والأصغر مستعرة، فتصبح الجرائم البسيطة هنا وهناك، مداميك ضرورية في بناء حالة الإقتدار والصمود.

 

وبدأ تجهيل الفاعل عندما حصل ذلك الإجتهاد البليغ من جانب ذوي وأهل ومحازبي الضحايا. لم يَعد القتل حكراً على الإمبريالية وحلفائها مباشرةً، بل صار صُنعَة للقوى الظلامية والتكفيرية وما إليها. ثم صار التجهيل المتعدد الأسباب والوجوه، تأسيساً لإنقسام مُسبق في الرأي العام يتيح فرحاً بفعل القتل، بل يتوقعه وينتظره، ويشلّ إرادة التحقيق والكشف عن الحقيقة وهوية المرتكبين.

 

التجهيل هو نتيجة إنهاء سلطة الدولة بما هي مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة، ولهذا السبب استحال كشف الحقيقة في كل الجرائم السياسية التي ارتكبت في لبنان، منذ إغتيال كمال جنبلاط وصولاً الى اغتيال لقمان سليم مروراً بالكارثة الكبرى في تفجير مرفأ بيروت، وهذا واقعٌ يزداد خطورة في أيامنا هذه، أيام التشكيك بكل المقومات الاساسية التي يقوم عليها البلد وخيارات سكانه الأساسية.

 

لو قُيِّض للنائب المحامي محسن سليم أن يتولى قضية إبنه لقمان، لفعل ما فعله عندما تولى قضية كامل مروة في وجه قاتليه. لكن هذا الإحتمال لا يبدو مُتاحاً. فقضية إغتيال كامل مروة أُحيلت الى المجلس العدلي (1966) وصدرت فيها أحكامٌ لم يؤثر فيها كثيراً تأليب جزء من الرأي العام ضد الموقف السياسي للضحية، (وكان سليم اللوزي الذي سيقتل بالأسلوب نفسه بعد زمن على رأس الذين قادوا الحملة ضد مروة، ما يعيدنا الى مسؤولية الإعلام والإعلاميين في تكريس مبدأ ادانة القمع وحماية الحريات). أما في قضية لقمان فيبدو أن وجهة السلطة هي الإكتفاء ببضعة بيانات استنكار وشجب، وإبداء الإهتمام وإسداء التوجيهات…

 

قُتِل لقمان متمسكاً بعودة الدولة والقانون، وليس لأي سبب آخر، الا اذا كان إهتمامه باللغة العربية وتحويل بيت الجد محمود المشارك في لجنة كنغ – كراين عشية قيام لبنان الكبير، الى دار ثقافة ونشر وتوثيق، سبباً كافياً للإعدام.

 

… الرد الوحيد على قتل لقمان، الشجاع طيلة حياته، هو في كشف كل معطيات الجريمة ومرتكبيها، تأسيساً لاستعادة الدولة ونظام الحريات والديموقراطية. فمن أجل هذه القيم عاش وعمل واستشهد لقمان سليم، ولتحقيقها سيعمل اللبنانيون بحماسٍ أكبر.