IMLebanon

جريمة باريس و«التعاون الأمني» مع سوريا

ثلاثة أعمال إرهابية شبه متزامنة وقعَت في كلّ من تركيا والسعودية وفرنسا. المجزَرة التي وقعت ضد صحافيّي جريدة «شارلي إيبدو» تُعَدّ الأخطر والأشرس، ومِن المتوقّع أن تترك تداعيات على الداخل الفرنسي، وعلى سياسات فرنسا الخارجية.

لا بدّ أنّ اليمين المتطرّف في فرنسا منتعش اليوم، لقد وقع 11 أيلول الفرنسي، وصارت لديه مادة ليتابع حملته ضد المهاجرين، والعرب والمسلمين خصوصاً. هكذا يتقاطع التطرّف مع التطرّف، وهكذا أسدى الإرهابيون المهاجمون خدمةً «تاريخية» لحزب جان ماري لوبان وابنته، ولمجمَل الفكر اليميني المتطرّف والصاعد في أوروبا.

فرنسا اليوم أمام تحدّيات جديدة تشبه تحدّيات واشنطن إبّان هجمات 11 أيلول. فإمّا أن تذهب نحو معالجات أمنية وسياسية جدّية، وهذا يتطلب تغييراً جذرياً في موقفها من مجمَل الأزمات من منطقتنا، وإمّا أن تندفع هروباً إلى الأمام بمعزل عن حقيقة مصالحها.

بعد أن نتجاوز رواية المهاجمين الإرهابيين لأسباب الهجوم على الصحيفة الفرنسية، سنكون أمام أسئلة كثيرة تسقط في مكانها أمام حدثٍ من هذا النوع. بعد مالي وليبيا وأفغانستان والعراق، هنالك سياسات فرنسية أدّت في ما أدّت إلى وجود كيان متطرّف بين سوريا والعراق. ومعظم الإرهابيين الأوروبيين فرنسيّون وبلجيك جاؤوا عبر تركيا وبمعرفة السلطات الفرنسية لوجهتِهم.

هل كان صانع القرار الفرنسي يظنّ أنّ خلقَ بؤرة إرهاب في حلب سيجعل باريس في مأمن؟ نحن أمام أوّل نموذج لعودة هؤلاء إلى بلدانهم، وثمّة تقارير تتحدّث عن أنّ السنوات الخمس المقبلة ستشهد هجرةً مضادة لهؤلاء من سوريا والعراق نحو بلدانهم. ألم يكن من سَمحَ لكلّ إرهابيّي العالم بالدخول إلى سوريا يعرف أنّ هؤلاء قد يرتدّون إلى الدول التي خرجوا منها؟

قبل سنة تقريباً نشرَت وكالة الصحافة الفرنسية، أنّ أجهزة استخبارات دولية وأوروبّية طرقَت أبواب دمشق للتنسيق معها بشأن «الجهاديّين الغربيين» على أراضيها، وفي الوقت نفسه تسرّبَت أخبار إلى الصحافة اللبنانية تشير إلى أنّ دمشق أجابت بالإيجاب حيال التعاون بملف مكافحة الإرهاب، إلّا أنّها اشترطت على باريس عودة العلاقات الديبلوماسية وفتح السفارة قبل استئناف أيّ تعاون استخباراتي، طبعاً لم تستجب فرنسا للطلب السوري، حتى وصلنا إلى «حقبة داعش»، وما تبعَ ذلك من انطلاق لعمليات جوّية ضد «داعش» في سوريا والعراق.

الموقف السوري-الإيراني ظلّ متحفّظاً، فلا جدوى للضربات الجوّية من دون تعاون استخباري وعسكري على الأرض، وليس ثمّة جهة مخوّلة سوى الدولة السورية، وبالتالي فإنّ عدمَ التعاون معها يدعو إلى الاعتقاد بأنّ هذه الحرب غير جدّية، وليست سوى محاولات لتغيير موازين القوى لمصلحة «قوى حليفة للغرب ويمكن ضبطها»، ورغم ذلك لا تزال نتائج الضربات ضدّ «داعش» تصبّ لمصلحة الأخيرة وتقوم بأسطَرتِها وتمدّدها على الأرض.

الجريمة التي وقعَت أمس ضد الصحيفة، والهجوم الحدودي على السعودية، والعملية الانتحارية على أحد مراكز الشرطة في تركيا، جميعُها مؤشّرات إلى «ارتداد الإرهاب» نحو البلدان التي غضّت الطرف أو تواطَأت لأجل دخوله سوريا، وتمدّدِه في العراق.

وهنا مفصل سياسي وأمني سيترك أثرَه في المرحلة المقبلة، ويبدو أنّ على هذه الدوَل وعلى واشنطن أيضاً، الشروع في سياسة أكثر واقعية حيال الدولة في سوريا. مصلحة هذه الدوَل اليوم، من وجهة نظر فريق الممانعة، أن تتعاون أمنياً وعسكرياً لضرب الإرهاب وتبادل المعلومات.

دمشق اليوم مرشّحة للعبِ أدوار كبيرة في الحرب ضدّ الإرهاب، والمكابرة في عدم التكلّم معها والاعتراف بسلطتها بدأت تترك آثاراً سلبية على الدوَل الرافضة. فهل سنشهد تغييرات جذرية في سياسات هذه الدوَل قريباً؟ وكيف سيترجَم ذلك؟