IMLebanon

جرائم ضد الإنسانية والحضارة

جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظام بشار الأسد وروسيا الاتحادية وإيران وحلفاؤها وميليشياتها في مدينة حلب، تجاوزت كل الحدود، إنْ كان للجرائم حدود، بحيث باتت تتطلب وقفة للتأمل في هذه الحالة المزرية التي تحولت إلى ظاهرة بشعة تبعث على الحزن والصدمة، في ظل هذا التخاذل الدولي.

فهذه مدينة عربية تدمر بالكامل، مدينة تحدثنا كتب التاريخ أنها، مع دمشق، أقدم موقع على الأرض سكنه البشر ولا يزالون. ولذلك فإن الخراب الذي لحق بهذه المدينة فمحاها، أو كاد يمحوها، ليس فحسب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية ارتكبتها القوات المسلحة التابعة للأطراف الثلاثة نظام بشار الأسد، وروسيا، وإيران، ولكنها جريمة ضد الحضارة، بكل ما في هذا التوصيف من دلالات عميقة. فهل كان هذا التدمير الكاسح الشامل لمدينة حلب من أجل محاربة الإرهابيين المزعومين وتطهير المدينة منهم، وهم في واقع الأمر عناصر المعارضة السورية التي تسعى إلى إسقاط النظام الدكتاتوري المستبد في دمشق؟ أم أن الهدف الذي لا هدف غيره، هو تدمير هذه المدينة، كما دمرت من قبل مدن وقرى أخرى في سورية، لمحو أي أثرٍ باقٍ للحضارة في هذا البلد؟

إن ما يجري اليوم في سورية المنكوبة التي أصبح أكثر من نصف سكانها لاجئين ونازحين وما يفوق نصف المليون من مواطنيها شهداء، هو حرب شرسة ضد الحضارة الإنسانية، بالمفاهيم الشاملة للحضارة، وبكل مظاهرها وتجلياتها، يشنّها مجرمو حرب ينبغي أن يحاكموا عاجلاً وليس آجلاً، طبقاً للقانون الدولي.

إن جرائم الحضارة أشنع وأفظع من جـــرائم الحرب والجـــرائم ضد الإنسانية، لأن الحضـــارة عطاء الإنســـانــية المتوارث عبر الأحقاب، وما يجري اليوم في حلب التي لم تعد شهباء، بل حمراء بسبب الدمــاء المسفوحة، يجسّد أخطر الجرائم التي يرتكبها البشر خلال هذه الحقبة، في حق الإنسان والعمران والتاريخ والجغـــرافيا والقيم السامية الخالدة التي جاءت بها الرسالات السماوية.

وخراب المدن وتدميرها على رؤوس ساكنيها ومحوها من الخريطة جرائم لا تقاس بأخرى، تَتَجَاوَزُ كونَها ضد الإنسانية إلى ما هو أخطر من ذلك بمسافات بعيدة. وهو ما نصطلح عليه بجرائم ضد الحضارة.

فكيف يصمت المجتمع الدولي ولا يكاد يحرك ساكناً، أمام هول ما يمارسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبشار الأسد، ومعهما حكام إيران الذين يعطون الأوامر للميليشيات التابعة لهم، من جرائم هي وصمة عار في جبين الإنسانية حقيقةً لا مجازاً؟ لقد عطلت روسيا مجلس الأمن فأصبح رهينة بيدها، فلم يعد يمارس المهمة المخولة له والتي تتلخص في حفظ الأمن والسلم الدوليين. والولايات المتحدة الأميركية باتت عاجزة عن التحرك في اتجاه حماية الشعب السوري قياماً بدورها في حفظ السلام العالمي. وثمة أكثر من مؤشر إلى أن الإدارة الأميركية المقبلة لن تكون في خدمة السلام في منطقتنا. ولا في مناطق أخرى من العالم.

وإلى حين ظهور مؤشرات إيجابية، وهو أمر ليس مستبعداً على أية حال، فإن الحرب ضد الحضارة الإنسانية ستتواصل في سورية، وبالأخص في حلـــب التي أجهز عليها المجرمون العـــتاة من إرهابيي الدولة، الذين يزعمون أنهم يحاربون الإرهابيين ويتصدون لتنظيم داعش، بينما هم في حقيقة الأمر، يعيثون فساداً ودماراً وخراباً في سورية أمام مرأى ومسمع من العالم كله.

وذلك منتهى الإجرام، يقابله منتهى الخيانة لمبادئ القانون الدولي من العالم الصامت العاجز المتردد الخانع.