Site icon IMLebanon

جرائم الميليشيات الشيعية.. مجازر لا يكاد يراها أحد

«مجازر لا يكاد يراها أحد»، بهذا العنوان أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً جديداً في الأسبوع الماضي لأبرز الجرائم والمجازر التي ارتكبتها المليشيات الشيعية (الإيرانية والعراقية) وحزب الله اللبناني في سورية، وهو التقرير الثاني في هذا السياق، إذ رُكز في هذا التقرير على الجرائم والمجازر وعمليات القصف التي ارتكبتها وتسببت في مقتل ما لا يقل عن 1447 مواطناً سورياً، معظمهم من المدنيين والأطفال، وهو الجانب المهم في التقرير.

وعلى رغم الصعوبة البالغة في توثيق المجازر التي تحمل الصبغة الطائفية، التي تعد أشد عمليات التوثيق صعوبة كما أشار التقرير؛ لأن مثل هذه المجازر تنتهي بذبح وقتل جميع أبناء الحي حتى النساء والأطفال، ويصعب وجود شاهد يسجل ويوثق شهادته صوتاً وصورة، إلا أن الشبكة ووفق معايير التوثيق تمكنت في تقريرها من توثيق ما لا يقل عن عشر مجازر ارتكبتها الميليشيات الشيعية إلى جانب القوات الحكومية، قتل فيها ما لا يقل عن 1005 أشخاص يتوزعون إلى 962 مدنياً، بينهم 172 طفلاً، و143 امرأة، و43 من مقاتلي المعارضة المسلحة، إذ ارتكبت المليشيات الشيعية وحزب الله مجازر في حقهم عبر أبشع وسائل القتل والتعذيب، تنوعت بين الإعدامات الميدانية بالرصاص واغتصاب النساء وقتل الأطفال وكبار السن والتنكيل بالجثث وحرقها، كما أسهمت تلك الميليشيات الشيعية في عمليات القصف العشوائي والحصار جنباً إلى جنب مع القوات الحكومية، وسجلت «الشبكة» مقتل ما لا يقل عن 437 شخصاً مدنياً قُتلوا بسبب القصف.

التقرير جاء ليكشف المزيد من الحقائق المروِّعة عن جرائم تلك المليشيات وحزب الله في حق المدنيين، ويكشف للمنخدعين بأسطورة حزب الله والمبررين بأن الحزب لم يرتكب جرائم ومجازر متعمدة في حق المدنيين العزل، وأنه لم يشارك في قصف منازل الأبرياء، فهؤلاء عليهم أن يدركوا أن هذا الحزب الذي تحول سلاحه من المقاومة إلى الداخل، لن يستطيع أن يغسل عار قطرة دم أراقها في سورية للدفاع وبغريزة طائفية عن نظام مجرم استبدادي يهوى الإجرام والقتل، فكيف بقتله ومشاركته بقتل المئات من الأبرياء بطرق وأساليب إجرامية بشعة؟!

أما أولئك الطائفيون فحتى لو رأوا عناصر الحزب وهي تنحر رؤوس الشعب السوري، وبتوجيه من سيد المقاومة، فهم لن يقولوا إلا كما قال أحدهم: إن الحق مع المقاومة يدور أينما دارت.

أما المجتمع الدولي وبإزاء تلك المجازر والجرائم المستمرة من تلك المليشيات التي سبقت حتى ظهور التنظيمات المتطرفة في المشهد السوري كجبهة النصرة وفقاً للتقرير، لا يزال متفرجاً وصامتاً تجاه كل ذلك الإجرام، فمجلس الأمن الدولي الذي تبنى قراراً ملزماً بوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية والعراق برقم 2170 ومنح القرار سلطة فرض عقوبات اقتصادية أو استخدام القوة، حصر القرار بتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من خلايا تنظيم القاعدة، وتجاه هذا القرار كان هناك إجماعاً شعبياً -أو على الأقل ما يشبه الإجماع- على محاربة الإرهاب في كل بلدان العالم، وأولها من العرب والمسلمين السنة، فهم من أول المرحِّبين بكل ما يخلِّص العالم من الإرهاب والإرهابيين، ولاسيما أنهم أكبر المتضررين من تهم الإرهاب والحملات الدولية التي تستهدفهم، ولكنهم في الآن ذاته كانوا -ومازالوا- يتساءلون: لماذا تقتصر ويتم تفصيل القرارات والحملات الدولية فقط على إرهاب واحد؟ لماذا يتجاهل المجتمع الدولي طرفاً يمارس إرهاباً وإجراماً فاعلاً على الأرض، يوازي إرهاب «داعش» في سورية والعراق، ألا وهي ميليشات «حزب الله»، و«عصائب الحق»، و«فيلق بدر»، و«كتائب الفضل بن عباس» وغيرها من المليشيات؟! ولماذا لا يتم وضع حد لكل الميليشيات بكل انتماءاتها المذهبية ومن دون استثناء، وتجفيف كل مصادر الدعم لها، الرسمي منها وغير الرسمي؟!

وهو ما يشير إلى حجم استقراء الموقف الأميركي والدولي على «الإرهاب السني» والتخاذل أمام «الإرهاب الشيعي»، والكيل بمكيالين وتبني المواقف المزدوجة، فالإرهاب اليوم ليس معنياً بداعش فقط، هو جزء من الكل، وهو مشكلة، لكنها ليست كل المشكلة، هو طرف واحد في ظاهرة إرهاب تضرب المنطقة، هو نتيجة وليس سبباً، وما خلق وحش «داعش» الذي استطاع أن يملأ الفراغ الاستراتيجي في سورية والعراق ويمتلك حاضنة سنيّة، قبِلت به اضطراراً لا اختياراً، إلا نتيجة القمع والإبادات الجماعية والممارسات الطائفية، وصمت المجتمع الدولي وعجزه عن إيجاد حلول للأزمة الإنسانية الكبيرة في سورية، واختزال ظاهرة الإرهاب في «داعش» واستهدافه وحده، أو مثيلاته على الجانب السنّي يمثل في منظورهم حرباً أميركية تجاههم، واصطفاف مذهبي من أجل العمل على تحقيق مصالحها، وهذه سياسة رعناء عملت على تقوية القاعدة الشعبية لـ«داعش»، وزيادة حدة وتفاقم خطورة الأزمة، بدلاً من إيجاد الحلول المناسبة لها، فالمجتمعات السنية ترى بعينها ما يدور حولها من ذلك التقارب الأميركي-الإيراني، وأن أميركا لا تريد أن تتعثر مصالح مفاوضاتها النووية مع إيران، بشكل بلغ إلى درجة التعاون والتنسيق مع المليشيات الشيعية التي لا تقل تطرفاً ولا طائفية عن تنظيم داعش نفسه، وتوفير الغطاء الجوي لتلك المليشيات لمحاربة «داعش» في العراق، فكيف تريد الولايات المتحدة وقوات التحالف من السوريين ومن السنة في العراق أن يشاركوا بالحرب ضد «داعش» وهم يغضون الطرف عن تلك المليشيات الشيعية التي تواصل عمليات القتل وتمارس الانتهاكات الممنهجة ضد السنة، وهو ما يصب في مصلحة النفوذ الإيراني في المنطقة.

هذه السياسة العقيمة تضع عموم السنة أمام خيار تفضيل البقاء تحت سيطرة «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة على البقاء تحت هيمنة الميليشيات الشيعية، وما لم تُعالَج الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أدت إلى بروز تنظيم داعش وتطوّره وتمدده، وفي مقدمها تهميش السنّة واستمرار الانتهاكات الطائفية على يد الميليشيات الشيعية في العراق ووكلاء إيران في سورية، فالحاضنة الاجتماعية السنية ستظل قادرة على توفير شبكات دعم وحماية وإسناد لـ«داعش».