بمعزل عن الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان، ثمّة أزمات بدأت تفرض نفسها على الجميع. أزمة النفايات جزء نافر من مجموع مشاكل يعيشها البلد، ومن يسارع في اتهام هذه الجهة أو تلك بتحريك المتظاهرين، إنّما يستهين بحجم ما وصلت إليه أحوال اللبنانيين، وينكر الحيوية اللبنانية الشبابية التي تحرّكت خارج الانقسام السياسي – المذهبي التقليدي.
تقول مصادر مطّلعة في قوى 8 آذار إنّ «أي دعوة في البلد لرفع الصوت يطلقها شاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد الفساد والهدر ونَهب المال العام، يمكن أن تجمع العدد الذي يتوجه الى ساحة رياض الصلح منذ أسبوع، وأكثر منه أيضاً. لا يحتاج الأمر الى الاستغراق في «نظرية المؤامرة».
في البلد أزمات اقتصادية واجتماعية ترهِق الناس وتحبِطهم وتخلق لديهم كلّ أسباب النقمة على كلّ النظام. بعد ربع قرن من انتهاء الحرب، وعودة الدولة والاستقرار، يجد اللبنانيون بلدهم في حالة يرثى لها، ودولتهم ترزح تحت مبلغ خيالي من الدين الداخلي والخارجي تجاوَز عتبة الـ 60 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم جداً أمام حجم الإعمار والصرف الذي مارسته الدولة في ظل جميع الحكومات المتعاقبة.
ويجدون أيضاً أنّ الخدمات التي يتلقونها هي الاسوأ على مستوى المنطقة. وأنّ لبنان الذي كان ذات يوم «سويسرا الشرق» ويبيع الكهرباء الى دول المنطقة يعَدّ الأكثر تخلّفا من جميع النواحي الخدماتية والأنسانية بين جيرانه العرب».
وأضافت: «60 مليار دولار من الدين العام، والكهرباء غائبة في معظم المناطق، ويضطرّ اللبنانيون أن يعيشوا تحت رحمة أصحاب المولدات وجشَعهم. المياه ليست أفضل حالاً، ومواطنون كثُر يشربون ويستعملون مياهاً غير صالحة، والبعض يشتريها من الصهاريج.
فاتورة الهاتف الخلوي هي الأغلى في المنطقة ومن بين الأغلى ثمناً في العالم. الإنترنت وهو من الخدمات الأساسية في العالم الحديث وبالنسبة إلى الشباب يعَدّ بطيئاً وبليداً بالمقارنة مع غيره. الطرقات مزدحمة ويبدو أنّ عمليات البناء وشقّ الطرق ومدّ الجسور لم تكن علمية كفايةً لاستيعاب الكثافة المتوقّعة في موضوع السيارات. الصحّة والتعليم والوظائف العامّة حِكر على المتنفّذين والمتموّلين وأصحاب النفوذ والسلطة».
وقالت المصادر: «بعد هذا كلّه يسأل البعض لماذا لا ينفجر اللبنانيون؟ يتخرّج الشاب اللبناني أو الفتاة من الجامعة ليجلسَ في بيت البطالة والعطالة. فيما يشاهد حوله أنواعاً من الثراء الفاحش والهدر والسرقات والسمسرات. ألَا يستدعي كلّ هذا ثورة أو انتفاضة أو تحرّكاً؟
أحد المراجع الكبار في الدولة قال أمام زوّاره عند بداية الأزمات: «لبنان أكثر بلد في العالم يحتاج ثورة، ولولا الطائفية والنظام الطائفي لكان الشباب اللبناني سحبَ المسؤولين من منازلهم».
قوى 8 آذار بحسب المصادر تتفهّم التحرّكات وتدعم المطالب من حيث المبدأ، وكان ذلك واضحاً مِن خلال البيانات التي أصدرَتها، ومنها بيان حزب الله. ولكنّها ليست في الساحة ولم تنزل بعد، وهذا واضح من خلال أعداد المتظاهرين.
طبعاً حاولَ الكثيرون الربط بين المطالب المعيشية وأزمة النفايات والأزمة السياسية. «حزب الله» التزمَ الصمت في بداية التحرّك حتى لا يجري اعتبار موقفه الداعم لمطالب الناس نوعاً من الشغب في الشارع. وفي المقابل كان يعمل على خط الأزمة الحكومية بالشدّة واللين.
يحاور رئيس الحكومة ويطالبه بالعودة إلى منطق الشراكة، ويرسِل إشارات التحذير بوسائله الخاصة، ومفادها أنّه لن يقبل باستفراد العماد ميشال عون. ويبدو أنّ هذه السياسة قد نجحت.
فمِن جهة يجري العمل على تسوية تعيد تفعيل الحكومة والعودة إلى منطق الشراكة، ومن جهة ثانية يبدو أنّ فريق 14 آذار بدأ يتعامل بجدّية مع الأزمة ومطالب العماد عون، وستتمّ ترجمة ذلك من خلال التوقّف عن الدعوة الى جلسات حكومية قبل الاتفاق على تفعيل الشراكة والعودة إلى الآلية الحكومية.