قصة اللقاء بين شرعية الرئاسة وموقع المعارضة والموالاة
والفيدرالية تتراجع والطائف يتقدم وهجاً وشمولاً
على أبواب عيد الفطر المبارك، يبدو أن لبنان، أمام مجموعة أزمات، ابرزها قضايا سياسية مصيرية،ومشاكل بيئية، في مقدمتها اقفال مطمر الناعمة، ومستقبل شركة سوكلين.
وتظهر في المقدمة محاولات تسوية الأزمة السياسية بين رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ورئيس التيار الوطني الحر برئاسة الرئيس العماد ميشال عون، والمساعي التي يقودها الدكتور سمير جعجع، خصوصاً بعد زيارته الاخيرة للرئيس سلام، في السراي الكبير.
الا ان الحوار بين ٨ و١٤ آذار والمستقلين، لا ينفي وجود صراع على المستقبل، خصوصاً ان بلورة حلول داخلية توازن بين السلطة الاشتراعية والسلطة النيابية، والتوازن السياسي الذي يسعى العماد عون الى تركيزه على قواعد دستورية.
صحيح ان الرئيس بري يناقش قضية تحريك اعمال المجلس النيابي المجمدة، فان سلام يبدو مرتاحاً الى تصليب الجهود المبذولة لمنح الحكومة امكانات التوازن بين الرئاسات الثلاث، ولو في غياب وجود رئيس للجمهورية لمدة سنة وشهرين على الاقل، وعجز النواب عن الاتيان بحلول تنقذ السلطات كافة من العجز عن توفير القدرة السياسية على اطلاق المزيد من المبادرات لاطلاق موازين قوى بين القوى المأخوذة بأهمية استمرار الحوار بين الجميع.
وبين تفاهم طهران والدول الخمس الكبرى وايران، على المرحلة الكبرى، فان اللبنانيين يراهنون على استمرار هذا الانجاز، خوفاً من الاطاحة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وهذا معقود اللواء على امكان حلول نتائج ايجابية لا سلبية، لكن ما جرى هو اتفاق تاريخي، جعل التطورات تواجه معارضة دولية يقودها الجمهوري في الولايات المتحدة، ومعارضة صهيونية يجسدها رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو الذي يقود المعارضة لأي دور ايراني قد يدفع التطورات ضد اسرائيل.
هل ما يجري الآن، قريب او بعيد بما كان قبل نصف قرن في لبنان، عندما كان هذا الوطن تحت الوصاية السورية، ام انه يأخذ منحى جديدا، بعد مبادرة لبنان الى اتخاذ سياسة مستقلة، تعزز دور العماد عون، وتعيد الى الاذهان ما كان يقوم به الكاردينال نصرالله صفير والرئيس السابق للمجلس النيابي الرئيس حسين الحسيني.
الاوساط العليمة بالاوضاع، ترجح ان يمثل الرئيس الحالي للمجلس النيابي دورا بارزا في اعقاب الاتفاق النووي لدفع الامور نحو انتخاب رئيس للجمهورية قريبا، الا ان الامر يتوقف على الرئيس تمام سلام ليحدد مواقفه الصعبة الملامح: هل هو اقرب الى ١٤ آذار، وهو عملياً واحد منها، هل هو في الوسط بين ٨ و١٤ آذار، ام انه مؤهل لتمثيل الدور الذي يجعل من حكومته على صورة رئيس الجمهورية غير الموجود؟
وهذا ما يجعل زعيم المصيطبة زعيما لبنانيا، لا عنصرا في زعامة ١٤ آذار، وهذا ما يطرح امكانات لبروز عنصر ثالث يمهد بمواقفه للانتقال من الجمود الرئاسي الى الحياة السياسية في اطار اتفاق الطائف، لأن عرض امكان عقد اتفاق بين الدوحة والرابية صعب المنال في الوقت الحاضر.
ولعل الاختيار الصعب بين هذه الرهانات، هو الذي يعطل الرؤية السياسية في هذه الحقبة المصيرية الحافلة بالمواقف الغامضة، والمفجعة احيانا في ظل التراكمات والازمات.
عودة الى التاريخ
ويبدو ان الازمة اللبنانية اخذت منحى خاصا بعد انتخاب الرئيس الياس الهراوي خلفا للرئيس الشهيد رينه معوض. وعقد اللقاء الاول بين البطريرك الماروني والسفير البابوي في لبنانت كارلو بوانتي في كانون الثاني ١٩٩٠.
ويصف الكاردينال صفير اللقاء بأنه الزيارة الاولى للسفير بوانتي بعد عودته من روما. وقد اخبرنا بأنه قضى مع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني ساعتين على الغداء هو والكاردينال كازارولي والمطران سودانو والمونسنيور طوران، الفرنسي، وبحثوا القضية اللبنانية، وبنتيجة تقليب وجوه الرأي، قرروا:
١- ان يقدم السفير اوراق اعتماده لرئيس الجمهورية الياس الهراوي لئلا يصبح خارج السلك الدبلوماسي، ويفقد منصبه فيه وهو رئيسه، ويجبر اذاك على مغادرة لبنان، وهذا لا يفيد القضية اللبنانية ولا المسيحيين فيه.
٢- اخذ تعهدا من الهراوي، عندما قدم اليه اوراق اعتماده، انه لن يستخدم العنف ولن تسفك دماء لبسط شرعيته.
ووعد بنقل ذلك الى قداسته. وهذا ما اثار تساؤلات المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى حول موقف الفاتيكان، فاعتبر ان الحوار الذي اوصى به بين اللبنانين، هو نصف اعتراق بشرعية الهراوي ومحافظة على موقع عون.
٣- جرى الحديث عن موقفنا مع قداسته بحضور من ذكرنا، على ما قال السفير، ورأى قداسته ان يظهر لنا تأييده. فأرسل الينا برقية في مناسبة الميلاد، وذكر فيها انه عبرنا ينضم الى جميع اللبنانيين في المحنة.
٤- موقف الفاتيكان ثابت من وحدة لبنان وهو ضد التقسيم، لأن في التقسيم زوال لبنان والمسيحيين، وعندما خاطبنا الشيخ شمس الدين، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، ليقول لنا ان التصريح الذي تلاه السفير البابوي والذي اعلنه الناطق باسم الفاتيكان في اليوم عينه، يدل ذلك على ان قداسته له نظرة فئوية، اكدنا له خلاف ذلك ونقلنا ذلك الى السفير البابوي، فقال لنا انه سيراه ليؤكد له ان موقف الفاتيكان هو خلاف ما يعتقد.
وفي ٩ كانون الثاني ١٩٤٠، حضر الدكتور سمير جعجع الى بكركي، فسألناه: الى اين نحن ذاهبون؟
اجاب: لا ادري. انما بامكاني ان احلل تحليلا شخصيا يؤدي الى الاستنتاجات الآتية:
١- العماد عون اراد ان يواجه السوريين بضربة قاضية، لأنهم اقوى منه.
٢- كان بعض الدول يؤيدنا، فاذا بالعماد عون يهاجم كل الدول، فأصبحت كلها ضدنا، واصبحنا في عزلة عن العالم.
٣- طرحنا فكرة لقاء مسيحي، يبدأ بيننا وبينه والبطريرك، ثم يتوسع لكنه لم يتم.
ويوم الاربعاء الواقع فيه ١٠/١/١٩٩٠ عقد لقاء بين النواب البطريركيين، فقال المطران بشارة الراعي انه أسس مركزاً للدراسات يرئسه الاب لويس خليفة اللبناني. لكن سفير البرازيل قال للكاردينال صفير انه يعرف الشرق جيدا، وقد كان في سوريا ومصر والجزائر وكان يأتي زائراً الى لبنان، وقد أعد دراسة سياسية عن العيش المشترك بين الاسلام والمسيحية، فتبين له انه يتعذر لما بينهما من فوارق اساسية، لأن الاسلام لا يمكنه ان يعترف لغير الاسلام بالحقوق التي يتمتع بها المسلم. ويرى ان المسلمين في البرازيل قلة، ولا يشكلون خطرا على نمط الحياة فيها في المستقبل المنظور، وغالبيتهم يغيّرون اسماءهم ونمط عيشهم.
وأكد لنا ان كثيرا من اللبنانيين يشغلون مراكز عليا في البرازيل في السياسة والقضاء والتجارة والجيش، وكان هناك ثلاثة من اصل لبناني ترشحوا لمنصب رئيس الجمهورية.
الا ان المحامي ميشال اده جاهر برفضه لاتفاق الطائف، وعدد الاسباب الموجبة لمعارضته وهي الآتية:
١- نقل الطائف السلطة من رئيس الجمهورية الماروني الى رئيس مجلس الوزراء السني، فأصبحت اجهزة الدولة معلقة بهذا الاخير، بما فيها الموظفون، على اختلاف درجاتهم.
٢- قال باللامركزية الادارية فجعل من المحافظين والقائمقامين رؤساء المجالس المنتخبة في المناطق، وهذا يعني ان الادارة المركزية تظل مهيمنة على الاداراة، فيما كان المطلوب مجالس ادارية منتخبة بما فيها رؤساؤها مثل المانيا.
٣- سمير جعجع باطلاقه مشروع الفيدرالية اطلق رصاصة الرحمة على الطائف، لأن الفيدرالية لا تتفق وطروحات الطائف، بما خص الادارة اللامركزية.
٤- تحديد اماكن الجيش السوري بواسطة لجنة عسكرية لبنانية – سورية، سيكون لبنان دائما في وضع الخاسر، لأن كل لجنة عسكرية لبنانية سيكون فيها مسيحيان ومسلمان وسيكون المسلمان الي جانب السوريين خوفا منهم على حياتهما.
٥- سيضع درسا قي موضوع اتفاق الطائف، يبين ما فيه من ثغرات تفقد الموارنة موقعهم السياسي في لبنان.
٦- فهم ان الرئيس الهراوي انه لم ينفذ اتفاق الطائف، لأنه مجحف بحق الموارنة، وانه على خلاف مع الرئيس الدكتور سليم الحص.
طلب الاخضر الابراهيمي، مندوب اللجنة العربية الثلاثية العليا مقابلة موفد الكاردينال صفير، فذهب لمقابلته في السفارة الجزائرية في بيروت الغربية حيث قضى معه ساعة ونصف الساعة، وطلب منه الابراهيمي ابلاغنا نحن والسفير البابوي بوانتيه ان الحالة في لبنان قد لا تظل على ما هي وقد يستأنف القتال، اذا ظل العماد عون متمسكا بموقفه، فعرض له الموفد ان المشكلة قبل ان تكون مشكلة عون، هي مشكلة سوريا التي ترفض ان تخرج من لبنان، وما يقوله عون هو تعبير بالصوت العالي عما لا يجرؤ سائر الشعب ان يعبّر عنه، وهو يفكر به في اعماقه. وقد ابلغ الموفد حديث الابراهيمي الى السفير البابوي، مثلما ابلغنا اياه.
وتتواصل اللقاءات والاجتماعات لكن البطريرك صفير حرص على توزيع محضر لقاءاته مع الآباء العامين في ٢ شباط ١٩٩٠، وأورد وقائعه على النحو الآتي:
عقدنا الاجتماع بحضور المطارنة فرح وحرب وأبو جودة وأبو نادر ويوسف بشارة واسكندر والراعي، والأب باسيل هاشم والأباتي انطوان صفير والأب فيليب يزبك.
ونقل المطران أبو نادر ما دار من حديث مع الأباتي بولس نعمان وشاكر أبو سليمان، وبين العماد عون من جهة وسمير جعجع من جهة ثانية. وقال ان العماد عون لا يمكنه ان يترك القوات تتصرّف كما تريد، وهي تفرض الضرائب، وترتكب الجرائم وتخلّ بالأمن، ويريد ان يلغيها. فيما جعجع يقول انه يرفض الغاء القوات ما دام على أرض لبنان جيوش غريبة يبلغ عددها ما فوق الخمسين الفاً، وما دام في لبنان ميليشيات من كل الأنواع. وهناك مزاحمة على مصادر التمويل وكل يريد ان يستولي عليها. واستأذن أبو نادر بالذهاب قبل انتهاء الاجتماع ليواصل اجتماعه مع نعمان وأبو سليمان ليستأنفوا زيارتهم للعماد عون وسمير جعجع.
ويتابع الكاردينال صفير:
وكنّا قد عرضنا الحالة في الاجتماع، واستمعنا الى آراء الآباء، وبدأنا بالاستماع الى بيان أعدّ، عندما راحت تتكثّف الطلقات المدفعية من حولنا فاتصلنا بالجنرال فؤاد مالك؛، ثم بالعماد عون، طلبنا اليهما وقف اطلاق النار فوراً، ولكن النار ظلّت تطلق، وكان تمّ الاتفاق على وقف اطلاقها ابتداء من الساعة الثانية عشرة ظهراً لكنها لم تقف.
وكانت الراجمات تطلق من على الروابي فوق بكركي وقبالتها. وتقول وسائل الاعلام ان القتلى فاقوا المائة والعشرين والجرحى الأربعمئة.
واتصلنا مرة ثانية بعد الظهر بالعماد عون، وطلبنا اليه وقف القتال فقال: نحن ندافع، وقد استولت القوات على الثكنات، وقتلوا حوالى الخمسة والثلاثين ضابطا وجنديا، بأن وضعوهم على الحائط وأطلقوا الرصاص على رؤوسهم. وكان قد قال لنا ذلك صباحا، وعدنا فطلبنا الجنرال مالك فنقلناه له فنفى ان يكون قد حدث ذلك.
وتابع العماد عون يقول: اذا انقضى الليل ولم يقف القتال، فلن يبقى غداً جيش وسيدخل السوريون والاشتراكيون المنطقة الحرّة. والجندي لا يمكنه ان يقف على حدود المنطقة الحرّة فيما يطعن في الظهر. وقد سحب عون من سوق الغرب بعض الجنود ليحاربوا القوات في الداخل. وقلنا له: هل ستكون نهاية المسيحيين في لبنان؟
هذا غضب من الله على سكان المنطقة الشرقية. وظلّت المدافع تدوّي في الليل وان خفّت حدّة اطلاق النار.
إلاّ ان القصف ظلّ مستمراً، وتعذر وضع حدّ له. ويقول الكاردينال صفير:
لما رأينا ان التقاصف متواصل، وبعد تقليب وجوه الرأي مع نائبينا، وجهنا برقية الى قداسة البابا يوحنا بولس الثاني أشرنا فيها الى ما يتهدّد المسيحيين من خطر ابادة، وطلبنا منه التدخل لدى مجلس الأمن لمنع المجازر. وأرسلنا البرقية بواسطة السفارة البابوية التي أرسلتها بدورها برقياً وعبر الأقمار الاصطناعية الى روما.
ووجهنا أيضا برقية ثانية اعتذرنا فيها عن عدم تمكننا من السفر الى روما للمشاركة في أعمال مجلس أمانة سر مجلس الأساقفة الروماني بسبب المأساة اللبنانية.
زيارة حلو لصفير
وفي مهب تلك التطورات يورد صفير ان الرئيس شارل حلو دخل على الخط للتهدئة ويضيف:
زارنا وعرضنا معاً الحالة المأسوية التي تمرّ بها البلاد، ونجدنا عاجزين عن معالجة الأمر ووقف الاقتتال الذي لا يقف حتى يعود فيستأنف. وقد دارت معركة ضارية بين ريفون والقليعات وداريا وعجلتون وسقط عدة قتلى وأصيب مستشفى سان جورج في عجلتون وتخرّب المختبر، وذلك ان القوات نصبت مدافعها قرب المستشفى وهذا ما فعلته في دير مار أنطونيوس خشباو في غزير، ودير راهبات أم الله في عجلتون ودير الرويس حيث خيّم الجيش وأيضا في دير ريفون. وكان الجيش قد دخل دير سيدة المعونات في جبيل والمستشفى التابع له، فضربته القوات وأحدث الضرب تدميراً في الدير والمستشفى. وأعلن وقف لاطلاق النار تخللته خروق، وصار اتفاق على وقف الحملات الاعلامية لكن العماد عون واذاعته وتلفزيونه لم يتقيّدا به. ويقال ان هناك حشودات على محاور القليعات ريفون عجلتون استعدادا لمعركة جديدة. جاءنا أنطوان نجم الساكن في ريفون قرب كرسي المطرانية يطلب توسطنا لدى القوات لنقل المدفعية من جوار بيته الذي أصيب مثلما أصيب بيت النائب فؤاد نفاع وبيت أبي عبدالله، وسقطت عدة قذائف في جوار الكرسي الأسقفي.
ويواصل البطريرك الماروني رواية ما حدث له:
قمنا بصحبة نائبنا المطران أبو جودة في سيارتنا الخاصة، بجولة في منطقة كسروان ابتداء من غوسطا، واطلعنا على آثار المعركة التي جرت بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية، ورأينا البيوت المصابة بقذائف ابتداء من بيت عيد وعشقوت حيث احترقت محطة البنزين الواقعة بين ريفون وعشقوت على مفرق بيت رزق. وجلنا في ريفون فوجدنا ان البيوت القائمة في ساحة البلدة وعلى مقربة من الكنيسة هي الأكثر ضرراً من مركز البريد الى منزل العميد رزق الله صفير، الى منزل هنري رشيد صفير، الى البيوت القائمة على طريق القليعات – ريفون. وقد عرفنا ان الجيش كان قد تقدّم باتجاه ريفون حتى وصل الى فندق سان روك ثم ردّته القوات على أعقابه فانكفأ الى قرب كنيسة مار سمعان القليعات. وجرت معارك أيضا في داريا وعجلتون حيث رأينا المحلات في ساحة البلدة مدمّرة وخاصة سنتر مدوّر، وعرّجنا على أنطش مار شليطا حيث رأينا الأب بولس سعد وزرنا مستشفى السان جورج، ورأينا عناصر القوات وقد نصبت مدافعها على مدخله وأغلب العناصر من بشري وحدشيت، وتابعنا الطريق الى بلونة فجعيتا فزوق مصبح واللويزة فرأينا المدرسة ودير المريميين وقد أصيبا اصابات مباشرة. ورأينا في ريفون دير الراهبات اللعازاريات اللواتي نجون من القصف لكن ديرهن أصيب بأضرار جسيمة. ورأينا الناس والدمعة في عيونهم والغصّة في أحلاقهم وهم يسألون كالمقاتلين: متى ستنتهي هذه الحرب؟ وظللنا طوال الجولة في السيارة وقد استغرقت حوالى الساعتين.
اشتد القصف مساء وفكّرنا في ما يجب القيام به من مسعى لوقف اطلاق النار وتباحثنا مع نائبنا المطران أبو جودة، وقرّ الرأي على ان نزور الرئيس العماد ميشال عون. وانطلقنا بسيارتنا العادية بصحبة المطران أبو جودة وقد ساقها شماسنا جورج صليبا. تركنا بكركي الساعة التاسعة إلاّ ربعاً وسلكنا طريق كفردبيان بقعاتة كنعان، زبوغا، زغرين، بكفيا، بعبدات، برمانا، عين سعادة، سن الفيل، بعبدا. وصلنا بغتة ولم يكن الهاتف يعمل لنعلن عن الزيارة وقلنا ذلك للعماد فقال، ونحن أيضا لا يمكننا ان نتّصل هاتفيا إلاّ بمشقة. وصلنا بعبدا الساعة الحادية عشرة والنصف وكان قصر بعبدا – وقد سمّاه العماد قصر الشعب – خالياً إلاّ من العسكر. انتظرنا قرابة الخمس دقائق ثم دعينا الى القاعة حيث استقبلنا العماد ببزته العسكرية، وبدا غير مزهو كعادته وبدأ الحديث، بعد ان دعانا الى الجلوس عن يمينه فقال: معروف سبب زيارتكم، حالة البلاد مأساوية.
ويوم الأربعاء الواقع فيه ٢٨ – ٢ – ١٩٩٠ عقد اجتماع ضم رؤساء الطوائف المسيحية، يوضح انه كلّف المطران أبو جودة الاتصال بالبطريرك كراكين سركيسيان والمطران عوده.
وحضر سركيسيان وعوده وخضر وكيشيشيان، وبيلوني والأب لويس الديراني عن الكلدان والمطران باشا والمطارنة أبو جودة وسعادة والراعي، وابتدأنا الاجتماع بالصلاة تلاها سركيسيان. وتلونا كلمة مكتوبة بيّنا فيها الأسباب التي دعت الى الاجتماع وهي الحرب وما أوقعت من ضحايا وما أحدثت من خراب، وأوجزنا ما قمنا به من مساع لوقف اطلاق النار وتلت ذلك مناقشة.
فتكلم سركيسيان فقال: المهمّ ان نبقى فالحياة أصبحت دون قيمة ويجب ان نسمع صوتنا للمسؤولين ولأبنائنا. وتكلم المطران خضر فشدّد على وجوب وقف اطلاق النار. وقال باشا والديراني وبيلوني: يجب وقف اطلاق النار وايجاد حلّ سياسي تبيّن بعد النقاش انه صعب اذا أريد ان يكون شاملاً كل لبنان.
وبعد ذلك دخل الأستاذ شاكر أبو سليمان فوضع المجتمعين في جوّ المساعي التي يقوم بها مع الأباتي نعمان لتثبيت وقف اطلاق النار وفتح المعابر.
في نهاية الاجتماع تلا خضر كلمة موجزة من ستّ نقاط هي التالية:
١ – وقف اطلاق النار نهائياً واحترام قدسية الحياة.
٢ – سحب المقاتلين والأسلحة الى الثكنات.
٣ – فتح الطرقات والمعابر.
٤ – وقف الحملات الاعلامية.
٥ – اعتماد الحوار بين المسؤولين في المنطقة الشرقية، بانتظار حلّ القضية اللبنانية.
بين الماضي والحاضر، ماذا يقول رئيس مجلس النواب تبيه بري.
يقول، حسب ما نقل عنه النواب لقد سعينا جاهدين من أجل لبننة الاستحقاق الرئاسي، لكننا لم ننجح، وربما يساهم هذا الاتفاق بين ايران والدول الكبرى ٥١ في خلق أجواء مساعدة لازالة التعقيدات أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ويشدّد بري على ضرورة ان يبادر اللبنانيون، في ضوء ما حصل الى السعي لتعزيز مناخات التوافق في ما بينهم، لملاقاة الأجواء الايجابية المنتظرة بعد الاتفاق النووي.
وتناول الرئيس بري مسألة النازحين السوريين في لبنان، والأعباء الثقيلة التي يواجهها من جرّاء ذلك، مجدداً مطالبة المجتمع الدولي بمساعدة لبنان واللبنانيين لمواجهة هذا الاستحقاق الصعب، خصوصا على الصعيدين التربوي والصحي.
والسؤال الكبير، هل سيكون الاتفاق النووي هو فاتحة لحلول الأزمات الملتهبة في المنطقة، والجواب، كما يقول الكاتب رؤوف شحوري، يحمل في طيّاته النقيضين معاً، نعم ولا. وما قاد الى نجاح التوصل الى الاتفاق النووي، هو توافر عقل استراتيجي وبرغماتي ومرن، في مواجهة العقل الايراني.
ويتابع رؤوف شحوري: من كسب ومن خسر؟ اذا كان الايرانيون يريدون فعلا انتاج القنبلة، فان هذا الاتفاق قطع الطريق على انتاجها في المستقبل المنظور. وفي هذه الحالة تكون هي الخاسرة، وأميركا ومجموعتها هي الرابح الاكبر… اما اذا كانت ايران لم تكن تريد في اي يوم من الايام انتاج القنبلة لأسباب ايديولوجية، ومحرمة دينيا لأنها من اسلحة الدمار الشامل للانسان والبشرية، فذلك له تفسير آخر… مما يعني ان ايران لجأت الى خدعة لترغم الغرب على التفاوض معها. وأصل الخدعة ان ايران أظهرت قدرات علمية وتقنية متقدمة لتؤكد للغرب انها قادرة على صنع القنبلة، اذا استمر الغرب في تجاهل التفاوض! وبلع الغرب الطعم، وجاء مهرولا للتفاوض! وبهذا تكون ايران باعت قنبلتها الوهمية بثمن باهظ تجلى في رفع العقوبات عنها، وفي نصوص الاتفاق النهائي. وفي هذه الحالة، تكون ايران هي الرابح الاكبر!.. ولكن نص الاتفاق يوحي بموضوعية بأن النتيجة هي: فائز وفائز!