IMLebanon

ردم الهوة للخروج من الجحيم

 

هوة عميقة، إذا لم تردم لا يمكن للبنانيين أن يلتقوا لينتجوا تغييراً.

 

هذا ما تظهره المقارنة بين التظاهرة النسائية النوعية المحدودة العدد إلى “قصر عين التينة” بالمشاركات فيها والنخبوية بما تضمنت من طرح سياسي وإنساني راقٍ لمطالبهن وباليافطات المرفوعة التي تشكل خريطة طريق لقيامة بلد، وبين المفاعيل المرتقبة لخريطة طريق تدجين المواطن عبر بطاقة “دعم” التمويلية “الموقتة”، كما روّج مطلقوها.

 

المنظومة، تحت راية الحاكم بأمره، تعرف ذلك. لذا شهدنا وسنشهد مزيداً من “الإجراءات الضرورية” المذلة مع رفع الدعم الذي بات تحصيلاً حاصلاً، لتصبح البطاقة حاجة لكل لبناني، وليس فقط للعائلات المستهدفة حتى تاريخه وفق دفتر الشروط الشفاف والمبرمج والممكنن، أيضاً على ما روّج مطلقوها. وكأن المكننة في يد مافيات كالتي نعيش تحت رحمتها تحول دون نهبنا وتجويعنا.

 

ولأن هذه الهوة لم تردم، يستقطب طابور الحصول على الوقود والخبز والدواء وصندوق الإعاشة، أكثر بكثير مما تستقطب تظاهرة نسائية مع لافتات تضع الإصبع على جرح العائلات اللبنانية كلها، وليس فقط الأكثر تضرراً من جريمة تفجير المرفأ، وليس فقط الأكثر فقراً، جراء الجرائم الموصوفة التي يواصل ارتكابها المحظيون ممن يدورون في فلك هذه المنظومة، في حين لا تزال الحصانات تحول دون محاسبة أو مساءلة أو عقاب.

 

فما كشِف عن التوقف المشبوه والمتعمد لنظام “نجم” الخاص بالبيانات الالكترونية لتخليص البضائع، وذلك بعد ضبط أمن الدولة أكبر عملية تزوير للبيانات بهدف إعفاء بضائع غير معفية من الرسوم أو استيراد مخدرات تحت مسميات مشروعة، ومن المطار والمرافئ والحدود البرية، ومنذ سنوات، ما تسبب بخسائر للخزينة تقدر بمئات ملايين الدولارات، وبزيادة موارد مافيات الفساد والتهريب وتجار الممنوعات.

 

والمفارقة ان مدير المركز الآلي لنظام “نجم” غسان نصر الله تم توقيفه منذ حوالى عشرة أيام، وتوفي في ظروف غامضة في مكان توقيفه، وفق ما ذكرت احدى المحطات التلفزيونية، مات معه سر البيانات المزورة.

 

أيضاً يستحق التوقف قرار مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال، إقفال محطة كورال في منطقة الجيّة، مع ركاكة تعليل سبب الإقفال، بأنه “لتجنّب وقوع الإشكالات ودخول السيارات عكس السير ما يعرض حياة المواطنين للخطر”، كما برر صاحب المحطة فادي ابو شقرا، المتحدث الرسمي بإسم موزعي المحروقات.

 

وكأن كل هذه الخطوات “الردعية” من دون محاكمات وإعادة للمنهوب، فولكلور ممجوج للقول أن دولة ما بأجهزتها تعمل عل حماية المواطن. فالحقائق على الأرض تكذِّب هذا الفولكلور، وتحديداً مع إقتراب موعد رفع الدعم نهائياً والذي بدأ يطبق بمعزل عن صدور القرار.

 

أما الشعب اللبناني فله أن يطمئن لأن بطاقة “دعم” ستتولى رفده بقليل من السيولة، مقابل إفقاره وإذلاله، لتمسك برقبته وصوته مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، إذا ما حصلت، فيلتهي عن الأولويات والمطالب الأساسية والضرورية لقيام دولة مؤسسات، لا يمكن بأي منظور أو شكل من الأشكال إئتمان هذه المنظومة عليها، ما دام الحاكم بأمره يحميها.

 

لذا لا بد من ردم الهوة. حينها… وحينها فقط، تختفي طوابير الذل، وتعجز بطاقة “دعم” ومعها رفع الدعم، عن تدجين الجائعين والخائفين والإنتهازيين الذين يحسبون أن الإلتصاق بالطائفة والمذهب والزعيم المحصن من راعي المنظومة، هو باب الأمان وحده دون سواه.