Site icon IMLebanon

” أمّ الأزمات”

 

أزمات لبنان المتنوعة صارت أكبر من المافيا السياسية والمالية والميليشيوية التي صنعتها، وتحكم وتتحكم تحت شعار إدارتها. والعلاجات الشكلية التي عنوانها تدوير الزوايا وتربيع الدوائر لم تعد تفيد في شيء. لا في تخفيف الإصطدام الداخلي، ولا في تخفيف الصدام السياسي مع الأشقاء العرب. فالصراع في الداخل مصيري بين من يربط مصير لبنان بمستقبل المشروع الإقليمي الإيراني وبين من يقاوم ذلك. والمشكلة مع الأشقاء العرب أعمق من خطاب أو تصريح يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تجاوزه بتوضيح. الحكومة ألغت نفسها عملياً عند أول عاصفة، ولو عاد مجلس الوزراء الى الإجتماع. فلا جيئ بها من أجل حل الأزمة. ولا هي قادرة على ما تدعيه من إدارة الأزمة. ولا دور لها سوى الدوران في الأزمة.

 

ذلك أن”أم الأزمات”هي عمل”حزب الله”على أجندة السيطرة الكاملة على لبنان. ولا يبدل في الأمر أن يحتاج، حتى إشعار آخر، الى غطاء رسمي صار مكشوفاً بعدما ضاق الهامش بين ما تسمى”الدويلة” وما تسمى”الدولة” ولا فرق، سواء كان الهدف هو مشروع الغلبة في الداخل أو الدمج الكامل للبلد بالمشروع الإيراني. فالغلبة الطائفية جرّبها الموارنة وجرّبها السنّة ويجرّبها اليوم الشيعة، مع أن درس الفشل مكتوب على الجدار أمامهم.

 

والغلبة الشيعية تتطلب أولاً تهميش الدور في القرار للطائفتين المؤسستين للبنان، وهما الموارنة والدروز، ثم تهميش شركاء الموارنة في الإستقلال والميثاق الوطني وهم السُنة. وتتطلب ثانياً إستكمال السيطرة على الرئاسات الثلاث والمجلس النيابي والحكومة بالسيطرة على القضاء والجيش، وإقصاء القوة الوحيدة المنظمة الرافضة للسيطرة وهي”القوات اللبنانية”. ومن هنا كان الإصرار على منع التحقيق من الوصول الى الحقيقة في إنفجار المرفأ، وإفتعال غزوة لعين الرمانة من أجل تغيير الموضوع عبر خلق مشكلة جديدة، ودفع القضاء العسكري الى قفزة في الهواء باستدعاء الدكتور سمير جعجع الى تحقيق في مخابرات الجيش.

 

أما دمج لبنان بالمشروع الإيراني، فإنه يحتاج الى أكثر من ذلك. من قطع لبنان عن أشقائه العرب عبر التهجم المستمر على السعودية ودول الخليج الى العمل على”إنهاء الوجود الأميركي” في البلد ورفض التسليح الأميركي للجيش اللبناني والدعوة الى التسلح من إيران. ومن التهديد بمئة ألف مقاتل بعدما إنتهت المقاومة الكلاسيكية عملياً بتحرير الجنوب عام2000 وصارت”مقاومة إحتياطية” الى دور إقليمي عسكري وأمني لـ”حزب الله” صار أكبر من أن يحمل مضاعفاته لبنان. فضلاً عن المفاخرة بالتمدد الإيراني في المنطقة والرهان على صفقة نووية مع أميركا تطلق يد طهران في الشرق الأوسط.

 

لكن لبنان أشد تعقيداً مما يتصور أصحاب غطرسة القوة. وما لم تستطع أخذه إسرائيل ولا سوريا لن تأخذه إيران. وقديماً قال كونفوشيوس:”الحكمة هي أن تميّز بين ما تعرفه وما تجهله”.