علّق سياسي مخضرم على مبادرة معراب، قائلاً «إن الأزمات في لبنان لا تُحلّ إلّا على طريقة إغلاق حقيبة «السامسونايت»، فإما إن تُغلق مرة واحدة، وإما تبقى مفتوحة «ليُعاد توضيب الملابس في داخلها».
على رغم مرور أكثر من 48 ساعة على تبنّي رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لم يصدر عن أي كتلة نيابية وازنة أي موقف من هذه المبادرة لا سلباً ولا إيجاباً، فالجميع ذهب الى مشاورات بينه وبين نفسه ومع الحلفاء تجنّباً لإعطاء موقف، ما عدا بعض الأصوات الفردية التي عارضت هذا الترشيح، كالنائب محمد كبارة في طرابلس، ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون.
ويرى هذا السياسي المخضرم أن مبادرة معراب قد دخلت كمبادرة باريس، التي رشّح الرئيس سعد الحريري فيها رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة، وبالتالي عدنا الى إعادة ترتيب الملابس والأغراض داخل الحقيبة أملاً بإغلاقها في مرّة مقبلة.
وفي وقت سارع بعض السياسيين الى إجراء «بوانتاج» لكل من عون وفرنجية مفترضاً تأييد هذه الكتلة أو تلك لهذا المرشّح أو ذاك، فإن الخبراء في الإنتخابات الرئاسية اللبنانية قبل الحرب يدركون أن كل حسابات النهار يمحوها الليل، والجميع يستشهدون هنا بقصة إنتخاب الرئيس كميل شمعون عام 1958، حيث نام الزعيم حميد فرنجية رئيساً للجمهورية بعد استقالة الرئيس بشارة الخوري ليُفاجأ في الصباح بتحوّل الأكثرية لمصلحة شمعون، بعدما جال المستشار في السفارة البريطانية مارون عرب يومها على النواب وأقنعهم بـ»الخيار الإنكليزي» الذي بدا أنه يرث النفوذ الفرنسي في لبنان بعد الإستقلال.
وعلى رغم الجولات النشطة لوزير الخارجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على كثير من الكتل والساسة اللبنانيين، إلّا أنه لم يحصل حتى الآن إلّا على جواب واحد هو «أننا ندرس الأمر وسنتخذ القرار في الوقت المناسب».
لكنّ الأنظار تتجه الى تيار «المستقبل» وزعيمه الرئيس سعد الحريري، فهو الناخب الرئيسي في انتخابات الرئاسة، لا لأنه يمتلك العدد الأكبر من النواب في كتلته، ولا لأنه يمثل طائفة ذات إمتدادات خارج لبنان وفي ظل تعاظُم تحريض مذهبي في المنطقة، بل أيضاً لأن موقفه سيتيح لكتل نيابية أُخرى أن تُحدّد موقفها، خصوصاً كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري وكتلة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، وحتى كتلة حزب الكتائب، حيث يعتقد البعض أن قطار فرنجية «سيصل حتماً» الى بعبدا إذا تمسك الحريري بمبادرته فيصل عندها عدد ناخبي الزعيم الزغرتاوي الى ما يفوق السبعين صوتاً.
وفي المقابل هناك مَن يقول أن عون يعتمد على حليفه الإستراتيجي القديم، أي «حزب الله»، الذي يبدو أنه لم يتأثر بترشيح «الحليف الإستراتيجي» الجديد لعون الدكتور سمير جعجع، فالأوساط المطلعة على موقف «الحزب» تقول «إن جعجع جاء إلينا ولم نذهب نحن إليه، وإن نظرية حليف الحليف حليف ليست دقيقة، خصوصاً في السياسة اللبنانية».
فالعلاقة الوطيدة بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعون فإنها لم تمنع حليفاً استراتيجياً لنصرالله كالرئيس بري أن يبقى طوال هذه السنوات على مسافة غير قريبة من عون، بل إن أزمات كثيرة كانت تعصف بالعلاقة بين حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر».
ويكاد الأمر نفسه ينطبق على جنبلاط الذي لم تمنع مواقفه العنيفة من النظام السوري حليف «حزب الله» من أن تستمر علاقته بالحزب منذ 7 أيار 2008 وحتى اليوم. والبعض يراهن على ان هذه العلاقة قد تساهم في تغيير موقف جنبلاط تجاه عون في اللحظة الأخيرة بعد أن يقنعه «الحزب» ويقنع بري بضرورة إنتخاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح».
هذا التحليل لدينامية مبادرة معراب وتداعياتها يقابله تحليل له أبعاد إستراتيجية يعتبر أن الأوضاع في المنطقة لم تنضج بعد لإجراء تسويات فيها، خصوصاً في الأزمة السورية وفي العلاقة بين الرياض وطهران.
ويرى أصحاب هذا التحليل أن من المبكر إنجاز تسوية في لبنان في ظل طبول الحرب التي تقرع في المنطقة. فالقوى التي تعتقد أن الأمور التي تسير لمصلحتها في الميدان كالنظام السوري وحلفائه لا ترى مبرراً للعجلة في حسم الملف الرئاسي في اعتبار أن الايام المقبلة ستكون أفضل ليس في اختيار رئيس «على ذوقها»، بل أيضاً في الرزمة المتكاملة التي ستأتي مع الرئيس الجديد، ولا سيما منها تركيبة الحكومة الجديدة وقانون الإنتخاب.
وفي مقابل هذا التحليل يرى البعض أن للمقاومة في لبنان مصلحة كبيرة في أن تخرج الدولة من حال الهريان المؤسساتي الذي تعيشه في ظل شغور رئاسي وتجميد نيابي وتعطيل حكومي، فالدولة هي الغطاء الشرعي للمقاومة التي تشير كل الدلائل الى أنها ستكون هدفاً رئيسياً لإسرائيل وحلفائها، وإن ما جرى في مجلس وزراء الخارجية العرب الأخير من إدانتها واتهامها بالإرهاب هو مقدمة لنزع الشرعية الرسمية العربية عنها، وبالتالي الغطاء الرسمي اللبناني هو ضروري.
ويُذكّر أصحاب هذا الرأي بدور الرئيس إميل لحود عام 2006 وفي القمم التي سبقت حرب 2006 أو تلتها الذي شكّل تغطية كبرى لصمود المقاومة في الميدان على رغم كل المصاعب التي كان يواجهها آنذاك.
فهل تحصل أعجوبة تعيد الزخم لمبادرة معراب؟ أم أنها ستوضع كغيرها من المبادرات على رفّ الأزمة اللبنانية وأزمات المنطقة ويطول الإنتظار؟ أم يخرج من «كُمّ الساحر» إسم جديد لا يُشكل إحراجاً لأحد؟
هنا يتوقف المراقبون عند استقبال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لقائد الجيش العماد جان قهوجي وآخرين في زحمة استقباله لمرشحي المبادرات ومبادرات المرشحين.