باتت كل الأوضاع السياسية والانتخابية والاقتصادية وسواهم، معلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، اضافةً الى العامل الذي استجد بفعل اطلاق صواريخ من ايران على أربيل، وعليه فإن بعض القياديين السياسيين يؤكد وفق معلومات مؤكدة بأن الامور في المنطقة باتت في خطر شديد، ولا يستبعد اندلاع حرب إقليمية في موازاة الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا، وعلى هذه الخلفية فإن المعطيات والأجواء تؤكد بأن هناك سباقاً بين التأكيد على حصول الانتخابات أو تطييرها بعدما يكون أصحاب الشأن أنهم أرسوا التحالفات وشكلوا اللوائح وأعلنوا عن أسماء المرشحين، وخصوصاً من قبل المرجعيات والسياسية والحزبية الرئيسية، كي لا يقال لاحقاً بأنهم من عطلوا هذا الاستحقاق الدستوري.
من هذا المنطلق، فإن الأيام القليلة المقبلة قد تؤكد على حصول الانتخابات في موعدها المحدد، ولكن ثمة من يتوقع تطورات دراماتيكية في المنطقة، وصولاً الى اشتداد المعارك الميدانية في أوكرانيا وعندها قد يحصل أمر ما، ما يؤدي الى تطيير الانتخابات في هذه الحالة فقط، ودون ذلك فإن البعض بدأ يجيش ويستنهض قواعده الشعبية وأنصاره ومحازبيه استعداداً للانتخابات النيابية، أنما وفق ما ينقل من معلومات فإن الأسبوعين المقبلين وحدهما من يؤكد ويقرر، هل الاستحقاق سيجري في موعده؟ وهذا أمر محسوم ولا تراجع عنه، أم ان هذه التطورات الآتية من أوكرانيا وأربيل والعراق سترخي بظلالها على الساحة اللبنانية، في وقت ان البعض أيضاً يتوقع تصعيد غير مسبوق للعدو الإسرائيلي في سوريا، وقد يقال ربما لبنان في بعض المناطق بمعنى أن كل الاحتمالات أضحت واردة ومتوقعة في هذه الأجواء الضبابية التي تشهدها المنطقة والحرب الروسية الأوكرانية، لذلك أنه على الساحة الداخلية ليس هناك من أي شيء إلا الانتخابات والتأكيد على هذا الاستحقاق والشروع في تأليف اللوائح وإرساء التحالفات وأسماء المرشحين، وقد نشهد في الأيام المقبلة تصعيداً سياسياً غير مسبوق على خلفية هذه الانتخابات النيابية.
ويبقى أخيراً أنه وفي اطار كل ما يرجي في أوكرانيا وفي أربيل الى الساحة الداخلية من تجيشٍ واستنهاض على خلفيات نيابية حتى استعمال الطوائف والمذاهب، فإن الامر الخطير يبقى في الأوضاع الاقتصادية والحياتية والمعيشية، المرشحة بدورها للتفاعل وارتفاع منسوب هذه الازمات التي بدورها قد تشكل عامل اضافياً آخر ربما لتطير الانتخابات وأقله حصول فوضى في الشارع لأن ما هو مقدم على لبنان أمر يعتبر من الصعوبة معالجته في ظل الحروب الدائرة في المنطقة.
آخر فرصة للبنان مع اقتراب تداعيات الأزمة في أوكرانيا
بهاء الدين الحريري
سيكون لقرار روسيا بغزو أوكرانيا تداعيات يتردد صداها في جميع أنحاء العالم لسنوات قادمة، في الغرب، ويبقى القلق المباشر هو تأثير الغزو على أسواق النفط والغاز.
وفي بلدان مثل لبنان، يمكن أن يكون تأثير الحرب على سلاسل التوريد الزراعية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إن أخذنا بعين الاعتبار أن احتياطيات القمح ستكفي ستة أسابيع إلى شهرين فقط.
وقد أضفت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، بسبب عقود من الفساد والأزمة المالية وجائحة كورونا، أهمية واضحة على الانتخابات البرلمانية القادمة لم تحظَ بها من قبل.
يواجه اللبنانيون اليوم مستقبلاً قاتماً، حيث لا وظائف للعمال ولا وقود في محطات الوقود ولا طعاماً بأسعار مناسبة، وكذلك يعاني الأطفال من الجوع في جميع أنحاء البلاد، وإذا استمرت الأزمة في أوكرانيا، فسوف ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، بالنظر إلى أن لبنان يستورد أكثر من 60 في المائة من قمحه من أوكرانيا، فمن المحتمل أن يتصاعد الوضع بوتيرة مخيفة.
تظل انتخابات مايو آخر فرصة للبنان للتصويت لحكومة مستعدة لتنفيذ سياسات ملموسة لتخفيف آلام شعبنا.
ولا يمكن اعتبار الحفاظ على الواضع الراهن أو عدم اتخاذ أي خطوة هو خيار جيد.
وفي حال سمح الشعب اللبناني باستمرار السياسة الطائفية، فسيكون البلد عرضة للتلاعب والتدخل السياسي ومحاولات إحداث المزيد من الفوضى من الخارج وكذلك من النخب السياسية في الداخل.
لسوء الحظ ، توحّدت الصفوف في المؤسسة السياسية في لبنان، عازمة على الإبقاء على قبضتها الهشة على السلطة، وهناك تكهنات مقلقة بإمكانية تأجيل الانتخابات.
بينما كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يضغطان على لبنان لإجراء هذه الانتخابات، فإن أحد الآثار الجانبية الأخرى للأزمة في أوكرانيا هو أن اهتمامهما قد يكون في مكان آخر.
لا ينبغي أن نقلل من رغبة النخب السياسية في الحفاظ على قبضتها الهشة على السلطة من خلال تجنب المساءلة الانتخابية.
بعد كل شيء ، لا شيء يبرز رغبة المؤسسة السياسية في الحفاظ على نفسها أفضل من رد فعلها على انفجار ميناء بيروت، فلم يُحاسب أي شخص – ولا مسؤول حكومي واحد أو عضو في مجلس الوزراء – عن مأساة كان من الممكن تجنبها تمامًا وكلفت لبنان 219 ضحية ومليارات الدولارات.
وقد تم منع أي محاولة للإجراءات القانونية الواجبة باستمرار من قبل أولئك الذين لديهم دوافع فقط من خلال الحفاظ على الوضع الراهن.
وعلى اعتبار أن هذه الإجراءات تعني دفع عائلات الضحايا لخوض حملة لا تنتهي من أجل العدالة، فإن ذلك لا يعني كثيراً بالنسبة لمثل هؤلاء الأشخاص.
كان والدي رفيق الحريري مناصراً متحمساً للبنان والشعب اللبناني، لقد صعد إلى الصدارة في أعقاب الحرب الأهلية بأجندة وحيدة لإعادة بناء لبنان ووضع أمتنا على طريق الازدهار.
حارب من أجل لبنان خالٍ من القيود الطائفية التي أدت إلى الحرب الأهلية وأراد بناء دولة تعمل من أجل الجميع وليس فقط النخب.
في النهاية، دفع الثمن النهائي، لكن رؤيته للبنان الأفضل والأكثر ازدهاراً تسلط الضوء على طريق محتمل للازدهار والعودة إلى لبنان الذي مات والدي وهو يحاول بناءه.
حفاظاً على إرثه، كنت من أوائل المؤيدين لـ «سوا للبنان»، وهي عبارة عن حزب سياسي جديد يناضل لإنهاء القبضة الطائفية على السياسة اللبنانية وهو على استعداد لتنفيذ الإصلاحات التي نحن بأمسّ الحاجة إليها في نظامنا القضائي والسياسي والاقتصادي، وآمل أن يتمكن زملائي رجالاً ونساءً في سوا من الحصول على فرصة لبداية جديدة.
بينما تقترب تداعيات ما بدأته روسيا في أوكرانيا من لبنان، فإن الساعة تدق، وآمل أن يستيقظ اللبنانيون على هذا الواقع الصارخ.
لا يوجد سبب وجيه لدعم الأحزاب الطائفية القديمة التي لم تفعل شيئاً في السنوات الأخيرة لتحسين الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان، وإذا لم يتحرك الناس الآن ويدعموا أحزاباً مثل سوا للبنان، فقد لا يتبقّى لبنان.
أدعو الله أن يتحركوا قبل أن تصل الأزمة في أوكرانيا إلى شواطئنا.
( عن صحيفة عرب نيوز)