Site icon IMLebanon

أزمات ليست أزمات

 

تنتهي اليوم، عطلة الأعياد الطويلة، إلاّ  أن سلسلة الأسئلة  الطويلة لم تنتهِ بعد… والأطول منها سلسلة القلق والحيرة والضيقة (…) التي تلف أعناق اللبنانيين  الذين يعيشون في حيرة  من أمورهم بين هبات وعواطف كلها، من أسف، ساخنة بالرغم من العواصف الثلجية التي تلفهم ببردها والصقيع.

 

لم يسبق أن شعر اللبنانيون بالحيرة والمرارة والقلق كما يشعرون اليوم في وقت  تغيب بوارق الأمل بعدما منوا النفس  بضع عشرة مرة (في هذه الأشهر الثمانية المنصرمة) بتأليف حكومة تتولى شؤونهم وتدير عجلة الدولة، وتتدبر أوضاعهم.

 

ليجدوا أنفسهم من قعر الى قعر، ومن خيبة الى خيبة، ومن يأس الى يأس قاتل.

 

لم يسبق أن فقد اللبنانيون الأمل كما يفقدونه اليوم، كانوا، حتى في أيام الحرب، يعيشون آمالاً عريضة تنبثق من تحت الركام، من بين الأنقاض، من الدمار، ومن الدماء والدموع.. بأن لا بد أن يحل السلام ويعود «طائر الفينيق» منبثقاً من الرماد أبهى وأجمل. كان الأمل قائماً في نفوس اللبنانيين، أمّا اليوم فبات الأمل مفقوداً أمام ما يتوالى على الساحة اللبنانية من خيبات وصَدَمات وإصرار على التيئيس وكأنَّ هناك من يدفع اللبنانيين الى الكفر بكل شيء حتى بهذا الوطن ونأذن لأنفسنا  أن نقول إن الطاقم السياسي لا يستحق وطناً  كان زهرة بين الأشواك فلم يعد فيه إلا الشوك!

 

اللبناني لم يعد خائفاً، فقط على أوضاعه المعيشية، بل بات أيضاً خائفاً على مصيره. وهو  لا يعرف من أين تهب عليه العواصف العاتية في مختلف نواحي حياته… ولعلّه يخاف على الأمن. إذ يبدو كأنّ هناك من يخطّط كي لا تبقى الأزمات محصورة في النطاقين السياسي والاقتصادي وحسب.

 

ولا يلام اللبنانيون على هذه الهواجس التي تطاردهم نهاراً وتتحوّل الى كوابيس ليلاً، فهم لا يجدون واحة واحدة  يفيئون الى ظلالها في صحراء الأزمات التي تتناسل من حولهم. ويتساءلون ما إذا كان «اختراع» تشكيل الحكومات لم يصل الى لبنان بعد مع أن هذا البلد عرف الحكومات المتعاقبة منذ أيام الانتداب حتى اليوم، وكانت تشكل بسلاسة تامة سواء أكانت مصغرة أو متوسطة أو مبهبطة … وأحياناً كانت «ميني حكومة» راوح عدد أعضائها بمن فيهم رئيسها، بين ثلاثة وزراء وأربعة! ومع ذلك كانت الدنيا بألف خير!

 

ولم يكن مستغرباً أن البطاركة والمطارنة وسائر رجال الدين المسيحيين ركزّوا دعاءهم في مناسبات الأعياد الدينية على أن «يلهم» الله المعنيين بتشكيل الحكومة أن يؤلفوها … وإن كان بعض الدعاءات جاء على لسان غبطة البطريرك الراعي مرفقاً بالتأنيب والتقريع!

 

غريب أمرنا في لبنان كيف وصلنا الى هذا الدرك من الانهيار وكيف أننا نغرق في أزمات ليست أزمات في الأساس: فهل وصول التيار الكهربائي يجب أن يكون أزمة وهو أدنى واجبات أهل الدولة؟ وهل جمع النفايات يجب أن يصير أزمة وهو واجب الوجوب؟ و… هل تشكيل الحكومة يجب أن يكون أزمة بينما المبدأ بسيط وصريح: تُشكّل الحكومة فليؤيّد من يؤيد ويمنح الثقة، وليعارض من يعارض ويحجب الثقة.