اختصر وزير السياحة ميشال فرعون، قبل يومين، أزمة آلية عمل الحكومة بتوصيفها أنها ازمة سياسية ـ حكومية ـ دستورية – رئاسية، وهي بهذا المعنى متعددة الجوانب والقوى السياسية ومقترحات الحلول، ما يعقّد اكثر إيجاد حل لها. إلا أن بعض المتابعين للأزمة يرى ان الوجه الحقيقي لها يتعلق بالصراع بين القوى المسيحية المكونة للحكومة حول رئاسة الجمهورية، والذي يُعتبَر الشغور في موقعها المسبب الاساسي وربما الاوحد للأزمة الحكومية، عدا عن الصراعات حول أمور أخرى سياسية وانتخابية ومناطقية.
ولهذا يرى المتابعون للأزمة ان المماحكات والكيديات بين وزراء القوى المسيحية بشكل خاص، ادت الى تعطيل القرار في مجلس الوزراء كانعكاس للصراع الكبير بينها، ولكن الغطاء للتعطيل متوافر وهو «الحرص على موقع الرئاسة وصلاحيات الرئيس»، وهو امر يخضع ايضا لمزايدات مسيحية ـ مسيحية حول من هو الاحرص، عدا عن الصراع حول من هو الطرف المخوّل «بالحفاظ على مصالح المسيحيين».
وفي ظل هذا الصراع، تجد الاطراف الاخرى لها فسحة للتحكم بالوضع السياسي او محاولة ادارته بالطريقة التي تناسب كل طرف، بينما يقف الرئيس تمام سلام، ابن مقولة التفهم والتفاهم والاعتدال، محاولا الحفاظ على موقع وصلاحية رئاسة الحكومة، التي تكاد تطيح بها الخلافات حول كيفية ممارسة صلاحية رئيس الجمهورية. لذلك يحتفط لنفسه بحق «الفيتو» على محاولات الالتفاف على صلاحياته، حتى لا يصادر الآخرون قراره ويختزلوا دوره. وهو يقترح إلغاء الإجماع في مجلس الوزراء لأنه غير دستوري اولاً ولأنه بات يحمل بذور التعطيل، ويسعى لاعتماد الأكثرية الموصوفة، سواء بالنصف زائداً واحداً او الثلثين، او حتى بالثلثين زائداً واحداً، مع انها فكرة غير دستورية، تماما كما الآلية المتبعة حالياً والتي «ضحّى» سلام فيها ببعض صلاحياته من اجل تمرير المرحلة.
ويحرص سلام، في الوقت ذاته، على عدم الخلط بين ممارسة الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية التي يهتم بعدم تغييبها لأسباب مسيحية ووطنية، وبين ممارسته هو صلاحياته كرئيس لمجلس الوزراء التي كرسها الدستور، كما يحرص على عدم زيادة التكتلات داخل مجلس الوزراء بما يزيد من فرص التعطيل والمماحكات.
إلا أن الخطير في مقاربة آلية عمل الحكومة، هو اعتبار البعض ان الحكومة الحالية هي حكومة تصريف اعمال، لا يحق لها ان تتصرف بأي امر قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وهو موقف من شأنه ان يعرقل اكثر محاولات التوافق على الحلول والمخارج للأزمة، ولو كان مقصده الحث على تسريع انتخاب رئيس للجمهورية، لكن التعامل مع الحكومة على انها لتصريف الاعمال فقط يفاقم المشكلة سياسياً وطائفياً، ويحد من قدرة رئيسها على التحرك داخلياً وخارجياً من اجل إنهاء الفراغ الدستوري والتعطيل ومواجهة الازمات الامنية والاقتصادية التي تعانيها البلاد.
كما يعتبر المتابعون ان مثل هذا الموقف فيه تهرب من تحمل القوى المسيحية مسؤولية الفراغ الرئاسي والتعطيل الحكومي بسبب خلافاتهم، ومحاولة منهم لإلقاء العبء والمسؤولية على رئيس الحكومة والقوى السياسية الاخرى، ولو كانت هذه القوى شريكة بنسبة معينة في إحداث الفراغ والتعطيل لأسباب تخصها، عدا عن ان هذا الموقف يعطل اي امكانية لعقد جلسات تشريعية، في حال تم تجاوز الخلافات التي تعيق عقدها، ولو لبحث مشاريع قوانين الضرورة القصوى كما يريد البعض.
لكن مصادر في «تيار المستقبل» و»فريق 14 آذار» تشير الى ان مخاوف ومواقف بعض المسيحيين مبررة بسبب التمادي في إهمال الاستحقاق الرئاسي، وتقول إن الرئيس سعد الحريري عمل على خطي الاستحقاق الرئاسي والوضع الحكومي، خلال لقاءاته المكثفة في الايام الماضية، لا سيما مع الرئيسين سلام وأمين الجميل، ودفع نحو اعادة تحريك العمل الحكومي وإيجاد حل لمشكلة الآلية، لأنه يعتبر ان الخلاف على الآلية لا يجب ان يعيق عمل الحكومة او يشلَّها، وهو سعى الى جمع سلام والجميل للبحث في المخارج الممكنة، ويفترض ان يتم اللقاء بينهما.