Site icon IMLebanon

أزمة الحياة الحزبيّة بين الولاء والكفاءة

 

تتجاوز أزمة الحياة الحزبية في لبنان حدود غياب المشروع السياسي الإستراتيجي واستبداله عملياً بلعبة التنافس على السلطة وحجم الحضور فيها، لتشمل أسساً تنظيمية داخلية تطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل حضور هذه الأحزاب في المجتمع اللبناني وفاعلية دورها وصدقيّتها في أوساط محازبيها ومؤيّديها.

في وقت تخوض الأحزاب اللبنانية على المستوى الوطني «حروبَ» إعادة تكوين السلطة، يكاد أيٌّ من هذه الأحزاب من أقصى اليمين الى أقصى اليسار لا يخلو من مشكلات تنظيمية داخلية على علاقة بتكوين السلطة فيه.

وكما أنّ لبنان يعيش أزمة مؤسسات دستورية، هكذا فإنّ الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان يعيش أزمات تنظيمية عميقة على الرغم من الشعارات الكبيرة التي ترفعها هذه الأحزاب عن ريادتها في مجال تبنّيها قوانين داخلية «متقدّمة» لتكوين القيادة فيها على أسُس تعكس توجّهات القواعد الحزبية وآراءها وخياراتها.

أما على أرض الواقع، فإنّ المسألة تختلف كثيراً بين الشعارات المرفوعة وبين الممارسات. فمواقع القوى تحلّ مكان النصوص، وفي أحسن الأحوال تسخر النصوص من خلال اجتهادات وممارسات في خدمة تثبيت مواقع القوى التي غالباً ما تكون عائلية أو «فئوية» على حساب تطلّعات الشباب اللبناني المنتمي الى هذه الأحزاب والتيارات والذي كان انتسابه إليها على قاعدة أحلام تغييرية وتطويرية في المجتمع الذي يعيش فيه، ليُفاجَأ بعد حين بأنّ ما يعيشه داخل حزبه هو نسخة طبق الأصل عن التقليد السياسي السائد من حوله، سواءٌ كان ذلك من خلال القيادات المحلّية والمناطقية أو من خلال بعض المرجعيات العائلية العريقة في الحياة السياسية اللبنانية.

والواضح أنّ أزمة الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان، هي أزمة خيارات في تكوين السلطة التي تديرها، وأزمة ازدواجية متناقضة بين ما هو معلن من «ديموقراطية» هذه الخيارات المبنيّة على نصوص تحتمل التفسيرات والتأويلات، وبين الواقع القائم على «تقليد» في تكوين السلطة وممارستها داخل هذه الأحزاب والتيارات لا يختلف في شيء عن توارث السلطة في أوساط القيادات والعائلات السياسية اللبنانية المعروفة.

ولعلّ جوهر المشكلة يكمن في إشكالية العلاقة بين الولاء والكفاءة في تكوين القيادات الحزبية، بحيث يطغى عنصر الولاء على عنصر الكفاءة في سعي القيادات الحزبية الى الإمساك بمواقع القرار والتحكّم فيه.

فالنظرية السائدة ولو غير معلنة في أوساط معظم قادة الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان قائمة على اختيار المسؤولين والقادة الحزبيين على أساس مدى ولائهم للقيادة في الدرجة الأولى من دون اهتمام كبير بكفاءة المسؤولين المعيّنين وقدرتهم على تسيير شؤون مواقعهم واستقطاب الرأي العام…

وفي رأي القادة الحزبيّين، فإنّ الإمساك بمفاصل القرار يكون من خلال الولاء، لا من خلال الكفاءة. فالكفاءة في نظرهم هي حافز من حوافز الطموح. والطموح حافز من حوافز التنافس. والتنافس حافز من حوافز إثبات الوجود والحضور… وهي كلها عوامل مساعدة في إفراز كوادر قيادية لا يبدو أنّ قادة الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان يرتاحون لوجودها.

لذلك، فإنهم يرون قوتهم في حصر دائرة القرار في أحزابهم وتياراتهم بمجموعة من الموالين بمعزل عن كفاءة هؤلاء الموالين، على حساب نظرية مقابلة تقوم على أساس أنّ قوة أيّ قيادة حزبية تكمن في مدى اتساع دائرة المشاركين في القرار فيها.

من هنا كثرة الإشكاليات التنظيمية التي يكاد لا يخلو منها حزب أو تيار سياسي في لبنان والتي يتمّ التعبير عنها باستقالات أو إقالات أو عمليات فصل أو صراع على السلطة الحزبية. فـ«الإلتزام الحزبي» بات الذريعة التي تلجأ إليها القيادات لـ»تطهير» صفوفها من الكفاءات وحصر المواقع القيادية فيها بـ«الموالين». في حين أنّ الإلتزام لا يعني «حالة قمعية» ولا يلغي في أيّ شكل من الأشكال «التعدّدية» و»التيارات» داخل الحزب الواحد.

فأرقى الأحزاب الغربية تحتضن يميناً ويساراً ووسطاً في الحزب الواحد… وكلّ أحزاب الغرب تنقسم الى «حمائم» و»صقور» و»معتدلين» و»متطرّفين»، وهي تعابير تتردّد في وسائل الإعلام وفي الحياة الحزبية الغربية العريقة في ديموقراطيّتها من دون أن تنال من موقع الأحزاب المعنية ودورها وفاعليتها.

لذلك، فإنّ الإصلاح السياسي في لبنان، لا يحتاج فقط الى قانون انتخابات نيابية والى تعديلات دستورية توسّع دائرة المشاركة والتمثيل في مؤسسات الحكم والإدارة، إنما وقبل كلّ شيء الى إصلاح في الحياة الحزبية يستبدل قاعدة الولاء الأعمى بقاعدة الكفاءة في اختيار الكوادر والقيادات الحزبية.

* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»