تشكيل الحكومة ضحيّة خوف حزب الله من ثلثٍ معطّل بيد رئيس الجمهوريّة ـ بصرف النّظر عن موقفنا الواضح من بدعة الثّلث المعطّل ـ بالطبع «وصلة» الكباش التي تدور ظاهرها أنّها تحدث بين حزب الله والرئيس المكلّف، لكنّ باطنها شيء آخر، مجدّداً أكّد بالأمس حزب الله إصراره على تعطيل تشكيل الحكومة بما نقل عن مصادره «لن نسمي أسماء وزرائنا ما لم يتمّ تسمية وزير للنوّاب السُنّة المستقلّين»، والتجربة مع حزب الله لا تحتاج إلى شرح وتحليل، والخلاصة أنه لا حكومة حتى «يرضخ» الرئيس المكلّف لشروط حزب الله!
جاء الوقت الذي «يُعيّر» فيه حزب الله رئيس الجمهورية ميشال عون، مصدره القيادي بالأمس أكّد أنّ الحزب «لا يُعير اهتماماً لاتهامه بتعطيل الحكومة، وهو حريص على الوفاء بالتزاماته مع حلفائه، فهو عطل مؤسسات الدولة سنتين ونصف لإيصال العماد عون لرئاسة الجمهورية، كذلك مع توزير جبران باسيل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لمدة ثمانية اشهر»، كلّ شيء بثمنه، والآن جاء وقت دفع الثمن، لأنّ «الدّني سلف ودين»!
في الأساس كشف حزب الله كلّ أوراقه، أساساً هو حزب «مكشوف الوجه»، ووقح إلى أبعد الحدود، وهو على استعداد أن يفرض على رئيس المجلس النيابي أن ينسحب معه من الحكومة في حال تمّ السير بتشكيلتها من دون فرض من يريد توزيره، في سيناريو مشابه لمشهد مستعاد من خريف العام 2006 الذي نفّذه تحت عنوان خروج الطائفة الشيعيّة من الحكومة واصطلح على تسميتها بـ»الحكومة البتراء»، حزب الله يفعلها، ولكن هذه المرّة سيفعلها في وجه العهد الذي كان حليفه في تنفيذ هذا السيناريو!
«لا يهم إن طال أمد تشكيل الحكومة إلى نهاية العهد»، لا يجيد حزب الله إلا سياسة التعطيل، حتى صار تعطيله لعنة على لبنان وحكوماته منذ العام 2005، وبدعة «الثّلث المعطّل» التي كرّسها حزب الله منذ العام 2008 بعدما نفّذ غزوة بيروت وأقرّها في اتفاق الدوحة مع تعهّد بعدم الانسحاب من الحكومة، ثم فعلها الحلفاء وانقلبوا على نتائج انتخابات العام 2009، ببروڤة «القمصان السّود» صبيحة يوم مشؤوم عيّن فيه حزب الله «نجيب ميقاتي» رئيساً للحكومة، «ثلث معطل بوجه من؟ طبعا ليس بوجهنا»، ولا يتردّد حزب الله في دقّ إسفين بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إذ يشير متسائلاً «إذا كان من ثلث معطل فهو بوجه رئيس الحكومة»، للمناسبة من المؤسف أنّ الرئيس المكلّف إن نجح في تجاوز فخّ حزب الله الذي يسعى لتحطيم ما تبقّى من الرئاسة الثالثة ووظيفتها بحسب الدّستور، سيكون «الأضعف» في حكومة لا يمون فيها إلا على «كم وزير»، أخوف ما نخافه أن ينزل الرئيس المكلّف سعد الحريري على شرط حزب الله وأن يقبل بتوزير وزير من جماعة نظام بشّار وإيران سيكون كمن يحطّم نفسه بيده، وسيخسر مجدّداً من رصيده الذي راكم خسارات صعبة منذ قرّر العودة إلى رئاسة الحكومة مقابل ربط النّزاع مع حزب الله!
برأينا المتواضع، لن يقبل حزب الله بأقلّ من هزيمة الرئيس المكلّف في هذه المنازلة بضربة قاسية، وأن يؤدّب التيّار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل ـ وضمناً العهد ـ لإصرارهم على امتلاك الثلث المعطّل، فهذا الثلث المشؤوم حكرٌ على حزب الله، وليس سرّاً أنّ إصرار فريق العهد على حيازة «الثلث المعطّل» مردّه إلى فقدان رئيس الجمهورية منذ اتفاق الطائف صلاحيّة إقالة رئيس الحكومة، فهو بهذا الثّلث يعود لامتلاك ورقة إقالة رؤساء الحكومات بالالتفاف على الدستور، والتحايل على التشكيلات الحكوميّة بالثلث المعطّل!
وقع فرقاء التنازع والمحاصصة الحكومية في شرّ أعمالهم، انكشف الجميع أمام تعنّت حزب الله ونزق رغباته الوقحة، و»لا يهم إن طال أمد تشكيل الحكومة إلى نهاية العهد»، أمام هكذا عقدة لا يملك أي مواطن لبناني إلا القول: «وعمرا ما تتشكّل هالحكومة»!