النظام السوري “يشبّح” الدولار ولبنان يدفع الثمن
أزمة الليرتين
هل صحيح أن اللبنانيين الذين ناموا ليل الاثنين على سعر صرف للدولار بـ 1605، أفاقوا الثلثاء على عودة الاستقرار النقدي، كأن شيئاً لم يكن؟ وهل مفعول تعميم مصرف لبنان القاضي بتأمين الدولار للمحروقات والدواء والقمح، سيكون الحل الناجع للآتي من الأيام؟ وهل يستطيع النظام الإقتصادي اللبناني الاستمرار بتثبيت سعر الصرف، الذي بدأ في العام 1993 وانتهى في ايلول 2019؟
بعيداً من نظريات المؤامرة، فإن الارقام والوقائع تثبت أن لبنان دخل مرحلة جديدة غير منتظرة من الاحداث السياسية والاقتصادية، من دون أي استعداد أو تحسّب. وما المتغيرات النقدية التي أصابت لبنان بمقتل إلا نتيجة تقاطع محاولات فك الحصار الدولي عن سوريا و”حزب الله” وتعويم الليرة السورية، مع استنزاف احتياطات العملات الاجنبية داخلياً نتيجة الامعان في تغييب الاصلاحات وتراكم عجز ميزان المدفوعات.
تزامن الأزمات ليس صدفة
بحسب المراقبين، لم يكن تزامن ازدياد الطلب على الدولار في لبنان وارتفاع سعره، مع جهود النظام السوري لدعم الليرة السورية مجرد صدفة. فالنظام المحاصر يسعى الى إعادة سعر صرف ليرته الى 500 مقابل الدولار، بعدما حلّق سعر الصرف ووصل أخيراً الى 690 ليرة، وهي آلية لا تتم الا بجذب دولارات المتمولين والداعمين وضخها في السوق. فعمد “المركزي” السوري الى عقد اجتماع مع كبار المتمولين الذين أجمعوا، بحسب تصريحات غرفة تجارة دمشق، “على وضع مبالغ مالية بالدولار، كلّ حسب قدرته، على أن يتم دفع المبالغ تباعاً وبسعر تدخلي يحدّد كل يوم بهدف زيادة سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار”.
المتموّل السوري القريب من نظام الاسد سامر فوز دفع بحسب مواقع إخبارية مبلغ 10 ملايين دولار عقب الاجتماع في فندق الشيراتون، ونقل عنه تأكيده أن كل الذين تواجدوا في الاجتماع من محمد حمشو ووسيم القطان والأخوين براء وحسام القاطرجي، إضافة إلى رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع سيدفعون، والدولار سينخفض ويصل إلى الـ 500 ليرة مبدئياً”.
سحب الودائع
ثروات النافذين السوريين التي جمعت، بحسب أحد الخبراء، بطريقة غير قانونية، من المستحيل أن تكون قد بقيت في سوريا، والأكيد أنها لم توظف في أميركا أو حتى أوروبا ولا في الدول الخليجية، بل إن الاحتمال الاكبر أن يكون قد تمّ ايداعها في المصارف التجارية اللبنانية نظراً لنظام السرية المصرفية وللاستفادة من عوائد الفوائد المرتفعة التي لا توجد الا في بلاد قليلة. وعليه فإن فرض النظام السوري على أصحاب الثروات جلب الدولار الى سوريا سيدفع حكماً الى خروج ملايين الدولارات من بيروت باتجاه دمشق. وقد عمد أصحاب الودائع الكبيرة في المصارف اللبنانية من سوريين ولبنانيين موالين لنظام الاسد الى سحب كميات من أموالهم، التي جرى تهريبها في الماضي الى لبنان، وتحويلها الى سوريا أو “الاحتفاظ بها خارج المصارف أي في خزائن المنازل”، بحسب الاقتصادي روي بدارو، وذلك لسببين: الاول الخوف من أن تطالها العقوبات الاميركية التي أطلت برأسها جدياً، وثانياً لتلبية رغبات السوريين ومساعدتهم في دعم عملتهم. وهذا ما برز بشكل مباشر في سحب مبالغ كبيرة من الصرافات الآلية في ساعات عدة كانت تكفي لـ 24 ساعة، وازدياد الحديث عن تكدّس أكثر من مليار ونصف المليار دولار في الخزنات الخاصة.
الشراهة السورية على الدولار
بحسب بعض الآراء فإن جزءاً من “الشراهة” السورية المستجدة على الدولار لا يتعلق فقط بانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الى حوالى 700، لأن هذا التراجع ليس كارثياً على الإقتصاد كما يجري تصويره وقد لا يتطلب هذه الاجراءات الفورية والقاسية جداً على رجال الاعمال والسلطة الاغنياء، والتي اعتبرها قسم كبير منهم بمثابة عملية “تشليح” أو سطو، بل من الممكن أن يكون النظام “محشورا” ومطالباً من “الروس” بتسديد بعض المبالغ، بالدولار طبعاً، وذلك في ظل تفاقم المتطلبات الروسية وصعوبة تأمين الكثير من الحاجات الاساسية وسط الحصار المفروض عليها”. إستنزاف إقتصادي
أما في الشق الاقتصادي فانه لم يعد سرّاً استيراد لبنان كميات من النفط تفوق حاجته بمقدار الضعف ودفع ثمنها بالدولار، لمصلحة تهريبها الى سوريا، من دون أن تدخل المقبوضات بالحلقة المصرفية أو بحسابات الميزان التجاري، هذا إن كانت المدفوعات تتم بالدولار وليس بسلع أو خدمات. حيث وصلت قيمة المستوردات النفطية في الاشهر الستة الاولى من العام الحالي الى 3 مليارات دولار، مقارنة مع 1.3 مليار دولار للفترة نفسها من العام 2018. وهذا الفارق البالغة قيمته ملياراً و700 مليون دولار، لا يظهر في جدول الصادرات، ليقال انه أعيد تصديره. وهذه الفاتورة النفطية تتطلب سحب الدولار من لبنان ودفعه للخارج ما يمثل ضغطاً مضاعفاً. ويضاف الى العامل الاقتصادي عنصر بالغ الخطورة يتمثل في تحقيق ميزان المدفوعات عجزاً يفوق الـ 10 مليارات دولار في الفترة الممتدة من منتصف العام 2018 الى أيار العام الحالي.
تزامن الشراهة السورية على الدولار مع سوء الادارة محلياً ضغطا على الدولار داخلياً، ودفعت المصرف المركزي الى استنزاف احتياطاته بالعملات الاجنبية. وهذا ما دفع بدارو للتأكيد انه من المستحيل أن تستمر الامور من دون اصلاحات جدية و”كل الاجراءات التي تتخذ ومنها التعميم الاخير الصادر عن مصرف لبنان لدعم السلع الثلاث ليست سوى حبة مسكّن تنفع لوقت معين”، ويضيف “لقد وصلنا اليوم الى طرف الحبل، والاجراءات التي يجب أن تتخذ اليوم لحل الازمة ليست نقدية، بل هي في المالية العامة وإعطاء التطمينات”.