IMLebanon

سلسلة الأزمات

 

نفد صبر اللبنانيين من التسويف غير المبرر في قضية دفع الرواتب حسب السلسلة المقرّة، بعد ان تلكأت السلطات المعنية بحجة فقدان تمويلها نتيجة تعليق المجلس الدستوري قانون الضرائب الذي أقر في السابق. وعلى الرغم من حلحلة الأزمة اثر عودة رئيس الجمهورية من زيارته الى فرنسا، الا ان قرار مجلس الوزراء بصرف الرواتب نهاية هذا الشهر على ان تؤمن مصادر التمويل، والا تعلق من جديد يعني سحب فتيل الشارع بشكل فوري على ان تصفى الحسابات مع المجلس الدستوري لاحقاً، أو يكون التعطيل في المؤسسات العامة والدوائر الرسمية وعلى الأرجح في المدارس الرسمية والخاصة!

ان حكاية إبريق الزيت مع هذه السلسلة لم تنتهِ فصولها بعد ان كان تمويلها من جيوب المواطن نفسه، فما يُعطى باليمين يُؤخذ باليسار، في ظل غياب المعالجة الجدية لمشكلة واردات الدولة المفقودة حينا والمنهوبة احيانا. فهل يضع ملف تمويل سلسلة الرتب والرواتب أزمة الفساد المستشري على طاولة البحث الجدي، خاصة وأن خطوة مماثلة كفيلة بإعادة الثقة بالعهد وشعارات الإصلاح التي أعطت اللبنانيين أملا بامكانية وضع حد لأخطبوط الفساد الذي استوطن وتجذر في مؤسسات الدولة دون حسيب او رقيب، وتعيد هيبة الحكومة التي فقدت جراء سلسلة الانقسامات التي أظهرت هشاشة التوافق الآني، الذي أعاد انتاج السلطة دون ان يحدث التناغم المطلوب حول الملفات الاستراتيجية، وأهمها العلاقات مع النظام السوري ومقاربة أزمة اللاجئين وسبل حلها؟

ان البحث عن مصادر التمويل من جيوب المواطن في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة جريمة جديدة ترتكب بحق الطبقة الكادحة، بعدما عانت ما عانته جراء الاهمال الرسمي المتمادي وغياب الدولة بكل مستوياتها عن تحمل مسؤولياتها لفترة طويلة، اما غض النظر عن الموارد المنهوبة ومسلسل الفساد المستمر فهو جريمة أكبر بحق الوطن!

ان وضع حد لحفلة الهدر والفساد وتفعيل المحاسبة كفيل بتمويل الجزء الأكبر من السلسلة، ورفع جزء من الاعباء الحياتية اليومية التي يرزح تحت وطأتها اللبناني، دون ان يبصر نورا في نهاية هذا النفق… اما اذا كانت اولوية السلطة في مكان اخر، فعلى السلسلة السلام حتى لو دخلت جيب المواطن فسوف تتبخر قبل ان يشعر بها لأن الأسس الاقتصادية مضعضعة، ولا رؤية او استراتيجية تضع مصلحة المواطن بالدرجة الاولى.. فنرى مشاريع مفروضة من هنا على الرغم من عدم استيفاء الشروط الصحيحة، لكن مالياتها مناسبة للجيوب الكبرى، وليعترض من شاء وقدر ما شاء، وتلزيمات من هناك، دون حسيب الا مبدأ الشراكة بالصفقات والتراضي على الحصص.

ان واقع الفساد العلني السائد اليوم لا يبني وطناً، ولا يطعم مواطناً جائعاً، ولا يعيد هيبة الدولة المفقودة على شتى المستويات… وعلى الرغم من استسلام اللبناني لواقعه المر، إلا أن الحقيقة الأمرّ هي ان كل القوى السياسية، دون استثناء، تواجه أزمة حقيقية مع قاعدتها الشعبية لا بد ان تترجم في صناديق الاقتراع، إذا سمح للمواطن أن يعبّر عن رأيه، ولم يُحرم من هذا الحق الديمقراطي، على أمل أن تكون النتائج مضمونة مئة بالمئة.

ان مأزق السلسلة هو جزء من أزمة كبرى ، لا يزال اللبناني يراهن على ان تكون بداية الحل لا الحلقة الاولى من موسم جديد لأزمات متفاقمة!