«الأزمة» عنوان تشكيل الحكومات في لبنان، ليست هذه الحكومة ولا التي قبلها ولا التي بعدها ولا التي بعد التي بعدها، مع كلّ تشكيل حكومة لبنان أمام أزمة، ولكن منذ أسفر اتفاق معراب عن موقف مسيحي كرّس العماد ميشال عون مرشحاً وحيداً لسُدّة الرئاسة، تلاه تسوية حريرية ـ عونية أخذت البلد إلى انتخابات رئاسية كان من المفترض أن تنتهي مثل هذه الأزمات عند تشكيل حكومة العهد الأولى التي كلّف بتشكيلها الرئيس سعد الحرري في 3 تشرين الثاني العام 2016، وفي 18 كانون الأول من نفس العام أعلنت مراسيم التشكيل، يومها تصدّى حزب الله لحصول القوات اللبنانيّة على حقّها بوصفها «طابخة» العهد و»الرئاسة».
ربما كان مفهوماً أن يتعسّف حزب الله ضدّ القوات اللبنانيّة، تجاه تمثيل القوات اللبنانية يوم تشكيل حكومة العهد الأولى بوصفها «Chef» طبخة الرئاسة، أو فهم إصرار الرئيس نبيه برّي على توزير من يمثّل المردة وسليمان فرنجيّة بوصفها «جائزة ترضية» مما قال يومها إنّها «من حصّته»، ولكن هذا التعنّت الذي يحاول التيار الوطني الحر ورئيسه ونوّابه أن يفرضوه وهذه الرّغبة الجامحة والكيديّة في «تحجيم» الحضور القواتي الحكومي يؤكّد أن فريق اليوم وصل إلى السلطة وعقليته لا تزال لا تعترف بالفريق المسيحي الآخر الوازن، والذي أثبتت نتائج الانتخابات النيابية أنّه وازن وبقوّة، بل وتريد محاصرته وتحجيمه وتقليص حقوقه أيضاً!
في الحقيقة، تجلّى الأداء القوّاتي وحيازته على إعجاب الخصم قبل الصديق، وعلى إجماع لبناني على كفاءته وشفافيته ونزاهته، فضح الكثير من هشاشة وعدم شفافية وكفاءة آخرين، خصوصاً في ملفّ بواخر الكهرباء، وللأمانة موقف وزراء القوّات اللبنانيّة في هذا الملفّ مشرّف، للأسف تكشّفت الأمور في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات عن «عقدة» حقيقيّة مأزومة تجلّت في «هجمات» مسيئة للدكتور سمير جعجع أفرغ شحنتها رئيس التيار الوطني الحُرّ، الذي يمثّل اليوم العقدة الحقيقيّة والمعطّل الأوّل لتشكيل الحكومة، وللمفارقة أننا لسنا في بلد «الحزب الحاكم» ولا يستطيع أي حزب في لبنان أن يدّعي هذا الأمر، ولا أن يتصرّف على هذا النحو، حتى حزب الله وبعد 7 أيار العام 2008 لم يتجرّأ على التصرّف بهذا الشكل!!
ما يحدث أكثر من مماحكات و»تحكّمات» على الأقل الترّاشق الذي شهدناه على مدار الأسبوعين الماضيين على أقل تقدير، والتراشق الذي عصف بالساعات الثماني والأربعين الأخيرة، يكشف أنّ ما يحدث هو حرب إلغاء حقيقيّة لمنع تمثيل القوات اللبنانيّة بحجمها الحقيقي في الحكومة العتيدة، وفي وقت يتذمّر فيه الجميع من بطء عمليّة تشكيل الحكومة التي أتمت بالأمس شهراً واحداً على تكليف رئيسها، لا ينبري أحد من المتذمّرين للإشارة إلى الجهة المعطّلة الحقيقيّة!
مصير البلد ليس «مناتشة»، التمثيل والتوازن في الحكومات اللبنانية أمرٌ أساسي، خصوصاً إذا كان هذا التمثيل نابعٌ «طازة» من تصويت الشعب اللبناني، الاخلال بالتمثيل سيقود إلى أزمات حقيقيّة، حضور القوات اللبنانية في الحكومة العتيدة وبحجمها المناسب خيار «إجباري» وهو ليس قابل للانتقاص منه، نظنّ أنّه حان الوقت ليضرب الرئيس سعد الحريري على طاولة التشكيل، ليفهم، من لا يريد أن يفهم، أن تشكيل الحكومة هو اختصاص رئيس الحكومة، ولا لفريق أو حزب أن يفرض نفسه عليه شريكاً في التشكيل وتوزيع الأحجام والحقائب، لأنّ اللبنانيّون ملّوا من تعطيل تشكيل الحكومات المتتالية منذ سنوات وعلى يد هذا الفريق بالذات!