Site icon IMLebanon

أزمة نظام..

 

انزعاج القيادة الإيرانية العليا من مواقع التواصل الاجتماعي وصل إلى حدِّ اعتبارها «خطراً على النظام»، على ما قال رئيس مجلس خبراء القيادة الشيخ أحمد جنّتي.. أي أنّ هناك عدواً جديداً – قديماً يُضاف إلى لائحة الأعداء الكثر، الذين يتربصون شراً بدولة «الولي الفقيه» ويسعون في أرضها وبين أهلها بحثاً عن كسرها!

 

أمّا كيف تكون هذه المواقع خطراً و«بلاءً» حسب توصيف جنّتي، فيما هي في الشكل والآلية متاحة أمام الجميع وليست حكراً على المُعادين للنظام.. وفيما هذا النظام يملك كل وسائل ومصادر الإعلام والتبليغ والإرشاد، ويُحكم ذلك التملّك بقبضة مؤدلجة وشديدة البأس والبطش، فذلك في ذاته يدّل (من دون أي افتراء) على مدى عمق الأزمة التي وصل إليها نظام «الجمهورية الإسلامية» بعد نحو أربعة عقود على قيامه.

 

يُحسب للشيخ جنّتي «شفافية» في الكشف عن مواضع الوجع بدل إنكارها! وإعلانه عن اجتماع بين «المرشد الأعلى» ومتخصّصين في تلك المواقع والإنترنت من أجل وضع آلية «ردّ فعل» على شرورها وأذاها! لكن غير ذلك، لا يُحسب له ولأقطاب النظام استمرارهم في نفي الأسباب الكامنة وراء الأزمات الراهنة في إيران، وإمعانهم في توصيف «الأعداء» بدلاً من توصيف الواقع! وتهرّبهم من الإجابة عن الأسئلة الكبيرة الخاصة بالمسؤولية عن وصول الوضع إلى حدّ الانفجار الواسع، وقدرة «الخارج المتآمر» على تحريك الناس في الداخل في معظم المدن بطريقة عدائية لا لبس فيها!

 

وذلك يؤشر، على أن الأمور آيلة إلى التصاعد وليس التنازل، وعلى أنّ مأزق النظام الديني الشمولي مشابه لمآزق أي نظام شمولي آخر بغضّ النظر عن إيديولوجيّته: يكابر في نكران الفشل الذاتي، ويجهد في توسّل آليات لتغطية ذلك النكران ومن ضمن تركيبته الذهنية التي لا تستطيع الخروج من ثلاثية الإشراف والقمع، والعنف البلاغي والمادي.

 

هذا النظام الإيراني لا يحتمل مقالاً «معادياً» في صحيفة! ولا يجد في الكاريكاتير أي بواعث فكاهة! ولا يتسامح مع فيلم سينمائي فيه شبهة تفلّت عن مقاييس الأجندة الرسمية! ولا يمكنه السكوت عن خاطرة شعرية ملتبسة أو حمّالة تأويل انتقادي! ولا يستطيع غضّ النظر عن حضور فتاة مباراة في الكرة الطائرة! مثلما لا يمكنه التغاضي عن رواية خطّ كاتبها بعيداً في التفرّد!.. ويتعامل مع تلك الظواهر باعتبارها خروجاً عن المسار العام و«خطراً» لا يقلّ عن خطر حمل السلاح أو الانخراط في عمل ميداني مضاد!

 

… مع أنّ هذا النظام (مجدّداً) على غرار أشباهه في روسيا اليوم (والاتحاد السوفياتي ومنظومته بالأمس) و«البعث» أيام صدّام و«البعث» أيام آل الأسد، يملك كل شيء! ويتحكّم بما عليها وفي باطنها! وعنده في موازاة الجيوش والأجهزة الأمنية، تركيبات «تُعنى» بالثقافة والأدب والإبداع بكل صنوفه! وبالإعلام بكل طرقه ومؤسساته! وبالحياة والموت بكل ضروبهما!

 

لم ينتبه الشيخ جنّتي، إلى أنّ جمهور النظام، وهو حقيقي ووازن، يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بدوره مثلما يستخدمها المشكو منهم! لكن الشكوى في ذاتها، تدلّ على أنّ الأخيرين صاروا الأكثرية! وإنهم في الإجمال صاروا ضدّ النظام. ومواقفهم انفجرت في الشارع وليس على الهاتف والكومبيوتر! وأنّ هذه علاجها أبعد (بقليل) من آليات التقنيات الحديثة.. وهو ما لا يمكن نظام «الوليّ الفقيه» مقاربته من خارج مدوّنة سلوكه، وإلاّ أسقط نفسه بنفسه!