من السراي الى معراب، مروراً ب الصيفي يبدو لبنان الصغير كبيراً حيناً وصغيراً أحيانا.
ولعل جولة الرئيس سعد الحريري، وما تخللها من لقاءات، تؤكد حاجة لبنان الى الدستور.
هذا الدستور عبثت به الوصاية سنوات، وتحاول اصلاحه النيّات في دولة حقيقية، لا عبر سلطة تتسلّط على المواطنين.
ولو عرف الجميع حدود سلطاتهم واحترموها، لما وقعت البلاد في أتون الحرتقات السياسية.
ولذلك، فان كل سلطة، تحاول أن تتسلّط على سواها.
او تسعى لتكون حصتها في الدولة أو من الدولة، أكبر من حصة سواها.
وهذه هي مشكلة الفراغ بعد سنة وتسعة عشر شهراً، وهنا تكمن أزمة الحكم، ومشكلة الرئاسة الأولى.
عندما حصل وزير الخارجية السعودي الأمير الراحل سعود الفيصل الى دمشق، واجه صدوفاً من الرئيس السوري حافظ الأسد.
ومعارضة شعواء لم تنته إلاّ بعد اجتياح الكويت. وعندما انضمت سوريا الى التحالف الدولي، لاخراج العراق من لؤلؤة الخليج، كان ثمن ذلك الانضمام، تلزيم النظام السوري، تنفيذ اتفاق الطائف المرفوض جزئياً من سوريا.
وهكذا نفذته سوريا على نحو ما تريد وكيفما تشاء.
وأقامت عملية تفقيس نواب، كما يتم تفقيس البيض.
وأقامت لكل منطقة نظاماً انتخابياً مغايراً للآخر في بعض المناطق.
ويروى، ان المرشحين الثمانية والعشرين في طرابلس، لم يعرفوا بعضهم، وكذلك الأمر، في بعض المناطق، خصوصاً في البقاع.
ربما، هذا ما يحاول الرئيس سعد الحريري اصلاحه، انطلاقاً من ملء الشغور الرئاسي.
هل طرح الموضوع، عندما زار السراي الكبير، أو ساعة ذهب الى الصيفي، أو عندما صعد للعشاء في معراب؟
وهذا، هو سرّ الفراغ، والغياب المقصود من حزب الله والتيار الوطني الحر من النزول الى البرلمان.
قد لا يكون وراء الأمر، الرغبة في اقامة مجلس تأسيسي، لكنّه سيؤدي لاحقاً الى ذلك، في نهاية الأمر.
القضية صعبة، والصراحة غائبة. والحل غامض.
اعتقدت الوصاية ان بامكانها تغيير نوعية الطبقة السياسية.
ويعتقد أركان ٨ آذار ان الأفكار نفسها تساورهم.
أما الرئيس سعد الحريري، فيرى الحل السريع، في تطبيق الطائف، واحترام النص الدستوري.
إلاّ أن تظبيط الدستور الآن، لن يحلّ الأزمة القائمة، لكن الدستور موجود وينبغي للجميع احترامه، وكبح جماح مطالبهم الطائفية والسياسية.
والدستور، مناصفة محترمة وديمقراطية مصانة وتنوّع سياسي يلتزم به الجميع.
وهذه النقاط يتم اغتيالها، كما يتم اغتيال الناس على الطرقات.
ولذلك، يرجح الجميع استمرار المحنة، لأن العقول هي الأخرى في محنة.
هل يعود اللبنانيون الى السؤال التقليدي نفسه: هل كان تكبير لبنان هو الخطأ، أم أن تصغيره هو خطأ ثانٍ؟
هذا الوطن لا يعرف المتربصون به أطماعاً وشرّاً، بأنه أفضل صيغة في هذا الزمان، لضمان ديمومة البلد؟