ترتفع وتيرة التهديدات الإسرائيلية بحجة وجود صواريخ حزب الله في بيروت بين المنازل وفي محيط المدارس والمستشفيات، بعدما اعلنها نتنياهو سابقاً في الأمم المتحدة وكأنه ينتزع موافقة دولية لما ترسمه الدولة الصهيونية للوطن الصغير، في إيحاء جديد ان الأهداف هذه المرة لن تحيّد مناطق ولا أهدافاً مدنية ولا دوائر رسمية.. بمعنى آخر لقد سقطت الضوابط السابقة، خاصة بوجود إدارة ترامب المتعطشة للمواجهات، والمشجعة على العنف، حيث ممكن ان تكون الحلول السياسية أسهل وأقل كلفة على الأرواح.
و يتساءل اللبناني اليوم عن خطة المواجهة التي تحضرها الدولة.. بعهدها القوي وحكومة تصريف الأعمال ومجلس النواب الذي ينتظر الحكومة المقبلة ليستقيم التشريع من الضرورة الى الدوري والملزم، باقتصادها المنهك والواقف على حافة الهاوية، وبمكوناتها السياسية المشتركة والمعطلة والتي حولت الحصص الوزارية لحقوق مكتسبة تساوم عليها لفك أسر الحكومة العتيدة، والتي تنتظرها ملفات مصيرية لم تعد سرعة التأليف ترف بل ضرورة اكثر من ملحة!
الى جانب الحركة الديبلوماسية التي قام بها الوزير باسيل، فهي تبقى ناقصة اذا لم تقترن بخطوات متتالية ومترابطة تعكس جدية الدولة اللبنانية في مواجهة هذه التهديدات، وتحريك المجتمع الدولي ليشكل درعاً واقياً للبنان، خاصة ان الداخل اللبناني يشهد انقساما غير مسبوق ينعكس سلبا على علاقاته الدولية والإقليمية، والتي لطالما شكلت رادعا للجموح الاسرائيلي وضمانة للوطن الصغير في احلك الظروف، اضافة إلى تعطيل أبسط مهام الدولة، من تأليف حكومة وصولاً إلى مناقشة الاستراتيجية الدفاعية حتى تستعيد الدولة هيبتها عسكرياً ومعنوياً، ضمن حد أدنى من التوافق والتنسيق في هذا الملف الذي بات وجودياً أكثر منه مجرّد قرار سياسي!
ولكن، للأسف، السياسيون في مكان آخر، بعيدين كل البعد عن هذا الواقع المأزوم، فلا تزال حرب الحصص قائمة وسياسة الصفقات في المقدمة، وأنصاف الحلول هي السائدة من دون حسيب او رقيب… فحل الكهرباء هو تركيب عدّادات المولدات، وكأنها أمر واقع لا مفرّ منه، مع تجاهل تام ومتعمد لكل الفرص التي اتيحت بالسابق لحلول جذرية، والمحارق هي الشر الذي لا بد منه لأزمة النفايات التي وصمت بلد الأرز وغطت على طبيعته الخلابة، ولا تزال أزمة اللاجئين تتأرجح بين من يهدد بالتوطين ومن يربط عودتهم بالحل السياسي للحرب السورية التي طال أمدها ولا بوادر قريبة لانتهائها، وللاقتصاد والمالية العامة حصة الأسد من ملف الأزمات الخانقة خاصة في ما يدور في القطاع المصرفي من محاولات للحفاظ على سعر الصرف، واللائحة طويلة ولا تنتهي، إلا ان السياسيين مصرون على المحاصصة ولو أدت الى خراب البلد اقتصاديا بفعل التعطيل الذي ممكن ان يضرب مفاعيل مؤتمر سيدر، تاركاً لبنان فريسة انهيار اقتصادي غير مسبوق، اضافة إلى انكشاف أمني بسبب الانقسام الداخلي الحاد الذي يهدد وجود الدولة برمتها وسلامة مواطنيها!
لقد تجاوز التحدي منطق العهد وانطلاقته، إلى وجود الدولة وصمودها في وجه الأزمات التي تهب من كل صوب، فهل يكون على مستوى المسؤولية والتحدي، أم ان المحاصصة ومعركة الأحجام ستحكم لبنان حتى هلاكه؟