بعدما لم يبق أمام العقلاء في لبنان أي خيار، كان الحوار كممر إلى سحب فتيل الشارع ووضع إطار لمعالجة الازمات. علماً أن الظروف التي أدت الى هذا الخيار هي التي تفرض استمراره مهما كانت العقبات والعراقيل.
يقرّ معظم الفرقاء أن الحوار جاء نتيجة ظهور عوامل عديدة تهدد الاستقرار الداخلي، إضافة إلى تسعير جهات خارجية، عبر أدوات داخلية، لعوامل الانفجار، بالتزامن مع استفزاز واستهداف العماد ميشال عون.
وفي قراءة لاوساط مسيحية متابعة، فإنه «بالرغم من أن حزب الله لا يستطيع أن يقول لا للعماد ميشال عون، لكنه، في الوقت نفسه، لم يستطع أن يقول له نعم سأنزل معك إلى الشارع، بالرغم من أنه معه قلباً وقالباً، لأنه عندما يتخذ الحزب قرار النزول إلى الشارع، فهذا يعني أن البلد في وضع حرج. وعندها لا يتم الخروج من الشارع إلا كما حصل في العام 2008. لذلك تحمّس حزب الله للحوار حتى يقول للعماد عون أن يبقي مجالاً للكلام، وأن لا يفعّل ويزخّم دعوات التظاهر في ظل الحوار».
تتفهم القوى المسيحية، وعلى رأسها «التيار الوطني الحر»، ما يفعله «حزب الله»، وتتفهم معادلته بأن النزول الى الشارع يجب ان يسبقه وضع سيناريو الخروج منه بثمن.
تعتقد تلك الأوساط المسيحية أن الحوار، الذي حاكه الرئيس نبيه بري، كان الخيار الأفضل لـ«حزب الله». وتشير إلى أن ما سرّع هذا الخيار كان معرفة الحزب أن ثمة من يريد أخذ البلد إلى مكان خطير من خلال الدخول على خط وجع الناس وأحقية وشرعية المطالب. فقد «رُصدت نوايا لتعميم الفوضى والدفع باتجاه واقع أمني وسياسي خطير، وبيّنت المعلومات ان جهات عربية ودولية كانت قد بدأت تنفيذ خطة لضرب حزب الله في ظهيره، حيث برزت الخشية من دخول معادٍ على خط الحشود العونية بهدف إشغال هذا الحلف بوقائع مأساوية، تؤدي بالنتيجة إلى صدام حتمي يجر الحزب إلى الشارع». وعليه، فقد كان الحوار بمثابة «إطار وطني موازٍ يسحب المبادرة من يد المتربصين بالساحة اللبنانية».
وعلى الرغم من كل هذه الإيجابيات، ترى تلك الأوساط أن الحوار «لن يؤدي الى مكان رئاسياً، كونه ينطلق من نظريتين متناقضتين: فريق يريد الرئيس أولاً، وآخر يريد الرئيس من الشعب أو الانتخابات النيابية أولاً». وتضيف: «إذا لم تتم مقاربة البنود التالية في جدول الأعمال، فإن ثمة خشية من تراجع التمثيل السياسي تدريجياً، لذلك كان الرهان كبيرا على إمرار المشروع الذي قدمه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، باعتباره مشروعا مثاليا ومخرجا حقيقياً يرضي عون ويؤمّن مناخاً إيجابياً، إلا أن الارادة الخفية أفشلت المشروع لانهم لا يريدون إعطاء عون شيئا».
لا تتوقع الأوساط المسيحية أن ينسحب عون من طاولة الحوار، مؤكدة أنه يدرك أن ذلك «سيشكل إحراجا كبيراً لحليفه حزب الله، كما أن هناك رأياً غالباً داخل التيار الوطني الحر يقول نحن الاقوياء وخروجنا سيعتبر ضعفاً وهروباً، فيما مشاركتنا وتسمية الأشياء بأسمائها تكرّس قوتنا وثقتنا بالقادم من الايام».. وعون مؤيد لهذا الرأي.