لمصلحة من تعكير العلاقات مع دولة شقيقة ما قصّرت يوماً في مساعدة لبنان؟
لا زالت تداعيات الاتهامات التي وجهتها محكمة التمييز في الكويت لتورط «حزب الله» في تدريب وتسليح خلية «العبدلي» الإرهابية، ترخي بثقلها على العلاقات اللبنانية الكويتية، بعد رسالة الحكومة الكويتية إلى نظيرتها اللبنانية عبر وزارة الخارجية والمغتربين، والتي تطالب من خلالها بيروت باتخاذ ما يلزم اتخاذه من إجراءات وتدابير، دون أن ترد وزارة الخارجية اللبنانية حتى الآن على ما جاء في الرسالة الكويتية، وهو ما أثار العديد من التساؤلات في الأوساط الكويتية عن سر تجاهل المسؤولين اللبنانيين الرسميين لمضمون الرسالة، وما إذا كان هذا التجاهل مفسراً، على أنه موافقة ضمنية على ما يقوم به «حزب الله» في الداخل والخارج، الأمر الذي يسيء كثيراً إلى المصلحة اللبنانية ويعرّض علاقات لبنان العربية والدولية لمخاطر كبيرة لا يمكن التكهن بنتائجها.
وفيما أبدت أوساط سياسية خشيتها من التداعيات التي قد تترتب عن الاتهامات الموجهة إلى «حزب الله»، على لبنان وبما يتصل باللبنانيين الذين يعملون في الكويت، فإنها طالبت الحكومة اللبنانية بموقف شفاف وواضح من الرسالة الكويتية، سيما وأن لبنان يحرص على سلامة علاقاته مع الدول العربية الشقيقة والصديقة في آن، بالنظر إلى وجود جاليات لبنانية كبيرة في هذه الدول، وبالتالي فإن ما قد يوجه إلى أطراف لبنانية من اتهامات، سينعكس بالتأكيد ضرراً على مصالح هذه الجاليات التي تلعب دوراً أساسياً في نهضة الاقتصاد الوطني، من خلال التحويلات المالية المشهود لها وخاصةً من دول الخليج العربي التي لم تقصّر يوماً في تسهيل أمور اللبنانيين على أراضيها وتوفير فرص العمل والإقامة لهم ولعائلاتهم.
وتستغرب الأوساط أن لا يصدر حتى الآن موقف لبناني رسمي من الرسالة التي وجهتها الحكومة الكويتية، باعتبار أن لا شيء يبرر ضلوع «حزب الله» أو غيره، في أعمال تخلّ بأمن دولة شقيقة ما قصّرت يوماً في مد يد العون إلى اللبنانيين الذين تستضيفهم منذ أكثر من نصف قرن، كما أنها لم تقصّر أيضاً في دعم لبنان على أكثر من صعيد، حيث تُعتبر الكويت من أكثر الدول العربية مساعدةً للبنان في شتى المجالات. ولهذا كان يجدر بالسلطات الرسمية اللبنانية، أن تضع كل ثقلها في هذا الموضوع، من حيث الإجابة عن كافة الاستفسارات التي وردت في طيات الرسالة الكويتية إلى وزارة الخارجية والمغتربين.
وبحسب المعلومات المتوافرة لـ«اللواء»، فإن حالة من الاستياء تسود الأوساط الدبلوماسية الكويتية من اللامبالاة التي تعامل بها لبنان مع الرسالة التي وُجِّهت إليه من جانب حكومة الكويت، وتالياً تقاعس وزارة الخارجية عن القيام بما هو مطلوب منها على هذا الصعيد، حيث أشارت المعلومات إلى أنه كان يجدر بوزير الخارجية جبران باسيل أن يتعامل مع الموضوع بجدية أكثر وأن يوليه الأهمية، بالنظر إلى حساسيته وخطورته، وأن يتم طرح هذا الموضوع على أعلى المستويات، لما له من انعكاسات بالغة الخطورة على صعيد العلاقات اللبنانية الكويتية.
وتوقعت الأوساط أنه في حال بقي الموقف اللبناني غامضاً تجاه الرسالة الكويتية، فإن مسار العلاقات بين البلدين سيأخذ منحىً آخر، من شأنه أن يمتد سلباً على مصالح البلدين، وبالتالي ستصيب شظاياه الوجود اللبناني في الكويت، في ظل خشية من إجراءات كويتية رداً على الموقف اللبناني غير المبالي برسالة الاحتجاج.
وفي المواقف المعترضة على تجاهل وزارة الخارجية المذكرة الكويتية، أكد عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية» النيابية النائب أنطوان زهرا لـ«اللواء»، «إننا نعول كثيراً على تفهم الأخوة في الكويت وفي كل دول مجلس التعاون الخليجي تجاه ما تعانيه الحكومة اللبنانية من حرج نتيجة وجود حزب الله داخلها وداخل مجلس النواب اللبناني، في ظل مرحلة المساكنة الحاصلة مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة»، مشدداً على أن «فريقاً كبيراً من اللبنانيين غير موافق على ما يقوم به حزب الله خارج لبنان والعمل على توتير علاقاته العربية والخليجية، ولذلك وحرصاً على ما هو موجود من تفاهم حكومي، تتجنب الحكومة اللبنانية أن تأخذ مواقف تدين حزب الله وسياساته، بالرغم من موقفها الواضح بأنها هي مسؤولة فقط عن قراراتها وليس عما يقوم به حزب الله خارج الشرعية اللبنانية، وبالتالي تعريض مصالح لبنان لمخاطر جسيمة».
وشدد زهرا على أن «المذكرة الكويتية كانت غايتها إفهام من يجب أن يفهم، أن تدخلات حزب الله مكشوفة ومعروفة وأنه قد يأتي وقت تؤدي إلى توتر العلاقات الرسمية بين لبنان والكويت، لأننا نعرف أن حزب الله هو جزء من منظومة إقليمية تديرها وتمولها إيران، وبالتالي فإن الحسابات المحلية هي آخر اهتماماته».
بدوره، حمّل عضو «كتلة المستقبل» أمين وهبي الذي كان في عداد وفد «كتلة المستقبل» برئاسة الرئيس فؤاد السنيوة الذي زار السفارة الكويتية متضامناً، «القيادة الإيرانية وحزب الله مسؤولية تردي العلاقات اللبنانية الكويتية، باعتبار أن طهران مستمرة في سياسة تصدير الثورة والقلاقل وعدم الاستقرار إلى دول المنطقة، وبالتالي فإن ما جرى في الكويت، تعبير جديد عن السياسات الإيرانية التي لا تريد الاستقرار للدول العربية وتحديداً لدول الخليج، وفي نفس الوقت تعبير عن الالتحاق المطلق لحزب الله في السياسات الإيرانية واستعداده لتنفيذ ما يطلب منه، بغض النظر عن مصلحة لبنان والدول العربية والاستقرار في المنطقة، وهذا مسيء جداً للبنان وللعلاقات الأخوية بين لبنان والكويت، وفي الوقت نفسه يعكس تنكراً للكويت التي لم تتخل عن دعم لبنان، كل لبنان دون تمييز بين أي منطقة أخرى».
ولفت وهبي لـ«اللواء»، إلى أنه «عندما ذهبنا برفقة الرئيس السنيورة إلى السفارة الكويتية والتقينا السفير الكويتي، فإنما أردنا أن نقول إن أكثرية اللبنانيين لا تقبل بهذه السياسة التي تسيء إلى العلاقات بين لبنان والدول العربية»، مؤكداً أنه «على وزارة الخارجية أن تعبر عن الموقف المطلوب وتعمل على صون العلاقات التاريخية الجيدة بين لبنان والكويت، ويجب أن تعبر عن الموقف الذي يستنكر مبدأ التدخل في الشؤون الداخلية، وأن يكون لديها موقف يحافظ على مصالح اللبنانيين في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، لأن لنا مصلحة في استقرار الكويت التي كانت سبّاقة دائماً لدعم القضايا العربية وتأمين أفضل الأجواء للجاليات العربية وتحديداً اللبنانية».
واعتبر في هذا السياق، مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو، أن «المسؤول عما أصاب العلاقات اللبنانية الكويتية هي وزارة الخارجية اللبنانية التي كان يجب أن تهتم بالمذكرة المرسلة من جانب الحكومة الكويتية وأن تعمل على التحقيق في خلفياتها السياسية، باعتبار أن من أقدم على هذا العمل في الكويت، كان لخدمة مصالح دولة أخرى غير لبنان، بمعنى آخر العمل في إطار مؤامرة لخدمة إيران، سيما وأن هناك لبنانيين يعملون لخدمة مصالح إيران ويورطون بلدهم في كل المجالات، فأين المصلحة اللبنانية من قتال حزب الله في سورية؟ وكذلك الأمر في دول أخرى، وهذا بالتأكيد يسيء إلى لبنان وشعبه ويعرّض مصالحه لمخاطر كبيرة»، مشدداً لـ«اللواء»، على أنه «يجب على وزارة الخارجية اللبنانية أن تقف موقفاً مؤيداً للكويت، انطلاقاً من وقوف الشقيق إلى جانب شقيقه، ولا يجوز التغاضي عن هذه التصرفات التي تحصل، انطلاقاً من أن الكويت كانت تقف دائماً إلى جانب لبنان، باعتبار أن هناك أعداداً كبيرة من اللبنانيين يعيشون على أرض الكويت ويرسلون أموالهم إلى لبنان، وهذا يفرض علينا ألا نسيء أبداً إلى العلاقات اللبنانية الكويتية».
كما شدد الجوزو على أن «الخطوة التي أقدم عليها الرئيس فؤاد السنيورة وتيار المستقبل، كانت تعبر عن توجه سياسي كبير، فنحن مع الكويت وإلى جانبها ضد الإرهاب الإيراني والفارسي، ولا يمكن أن نقبل بأن يمارس الإرهاب باسم لبنان، فإما أن يعلن حزب الله أنه غير لبناني، أو أن يكون للدولة اللبنانية موقف من هذه القضية، لأنه لا يجوز الاستهتار بمصالح لبنان».