IMLebanon

دموع التماسيح

سألت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالأمس عما إذا كانت القوى الهاجمة على «داعش» في الموصل، أخذت في اعتبارها مصير سكان المدينة! ثم طرحت، وبكل جدّية ممكنة، إستفسارات تفصيلية من نوع، إلى أين سيذهبون؟ وأين سيبيتون؟ وهل جرى تحضير مخيمات لهم؟ وما إلى ذلك من طروحات، يظن معها السامع والقاشع ان زاخاروفا هذه، صارت الناطق الرسمي باسم «منظمة حقوق الانسان«، وليست أحد ابواق جزاري القرن في سوريا عموماً وحلب خصوصاً!

والتخمين التالي هو نتاج حقائق وليس أهواء وغايات.. مع أن الأهواء قبل المذبحة الجارية في سوريا وبعدها (؟) تدفع إلى الخلاصة القائلة بأن أكثر العالكين بحقوق التعساء والبؤساء، وخبريات وروايات وتنظيرات التصدي للظلم والطغيان، والسعي إلى حفظ كرامات البشر… الخ، هم أول الطغاة وأكبر السفاحين وروّاد إستباحة كل القيم الفردية والجماعية وكل الحقوق المقدسة المؤاخية لطبائع الخلق، وفي أولها الحق في الحرية والتملك وتقرير المصير.

والنظام الذي تنطق باسم أحد قواعده، زاخاروفا هذه، هو التكثيف الأمثل لمعنى الاستبداد والطغيان واحتقار البشر وكراماتهم وحرياتهم وحيواتهم.. وما كان ذلك كله لينتج سوى السياسات التي لا تزال تترحم على طغاة ومهلوسين مثل القذافيّ. وتؤازر طاغية عزّ نظيره مثل بشار الاسد. وتفعل في سبيل هذه المؤازرة ما تعجز عنه شياطين الهلاك والاجرام والفتك والضواري الكاسرة! ولا تستطيع سوى ان تتآخى وتتحالف مع أنظمة تملك «الرؤية» الخلاصية ذاتها وتعتمد الطرق والأساليب المشابهة لتحقيق رؤاها، وان اختلفت الرايات والشعارات والايديولوجيات، كالنظام الإيراني من جهة ونظام الطفل المعجزة كيم جون اون في كوريا الشمالية من جهة ثانية.

وذلك يعني، من جملة منظومة التهتك هذه، ان يكون رديف تأسّي زاخاروفا على أهل الموصل، هو تأسّي وتفجّع التركيبة الإيرانية بكل زواياها، بما فيها «حزب الله» في لبنان، على أهل اليمن! أو أن يقول واحد مثل بشّار الاسد بالأمس، إنه يريد خروج «الإرهابيين» من شرق حلب من أجل «حماية السوريين»، أو ان يصوت مندوب فنزويلا في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الفرنسي لفك الحصار عن المدينة المنكوبة، لأن حكومته حريصة على هؤلاء المدنيين ولا تنام الليل قلقاً على مصيرهم!

في تخمين الخلفية السياسية الفاجرة لتأسّي الناطقة باسم الخارجية الروسية على أهل الموصل، هو أن التركيز التلقائي بعد حسم الأمر في المدينة العراقية، سيكون على عاصمة «الدواعش» الأخرى في مدينة الرقّة السورية، وما يعنيه ذلك من احتمالات جدية لانتقال مقتضيات التصفية اليها، الأمر الذي سيؤدي (منطقياً) وفي الخلاصة، وإن طال الزمن، الى كسر أحد طرفي الكماشة التي تطبق على المعارضة السورية وأهلها. اي ذلك الارهاب «الداعشي» تحديداً الذي لم يقاتل ويؤذِ ويضر سوى هذه المعارضة وأهلها وبيئتها الحاضنة.. فيما المعروف في المقابل، ان آلة الفتك الإيرانية ــــ الأسدية ــــ الروسية، لم تستهدف ولا تستهدف فعلياً وعملياً وواقعياً سوى هذه المعارضة وأهلها وبيئتها أيضاً!

ظنّي (والله أعلم) ان آخر ما يريده أهل الموصل المنكوبين، هو شيء من اشياء «التعاطف» الروسي (بعد الإيراني!) معهم! وكأنهم في ترفٍ كافٍ للتصديق بأن زمن المعجزات لم ينتهِ.. وأن للتماسيح دموعاً تذرفها! وأن روسيا ــــ بوتين مهمومة ببؤسهم!!