IMLebanon

العبور الى المستقبل في  عالم يتطور بسرعة إلكترونية

لعل ما يجري في الكواليس اللبنانية من حراك للدبلوماسية الدولية، لا يختلف في المضمون عما يجري في الكواليس العربية ودهاليز المنطقة. وفي السياسة كما في الطبيعة، بعد كل زلزال يمثل رقماً مرتفعاً على ميزان ريختر، والهزات الارتدادية التي تتبعه، تأتي مرحلة ازالة الركام والأضرار واعادة بناء ما تهدم. وهذا ما يحدث بالضبط في المجتمعات التي تتعرض الى زلازل سياسية من الحروب والثورات والصراعات الحامية والباردة، الداخلية أو الاقليمية أو الدولية، بعضها أو كلها مجتمعة! والفارق بين الحالتين أن اعادة بناء الأنظمة والحجر والبشر تتطلع الى قيام مستقبل أفضل عبر اجراء اصلاحات في السياسة والاقتصاد والاجتماع ومختلف شؤون الحياة الأخرى. وعلى الرغم من كل ما يحصل اليوم من أزمات وشغور وخضات وفضائح ونزاعات، فإن عبور لبنان الى مستقبل اصلاح نظامه ومجتمعه، هو أسهل مما ينتظر الدول العربية الأخرى او بعضها، سواء أكانت جمهورية أم غير جمهورية. ولا يحتاج لبنان الى خريطة طريق المستقبل عبر مؤتمر تأسيسي أو غيره، لأن في تراثه السياسي ثروتين: الميثاق الوطني المرحلي غير المكتوب، وميثاق الطائف المكتوب ولكن المنفذ بصورة استنسابية!

الحالة أصعب في المنطقة العربية… فالبلدان التي تجتاحها الأعاصير من أزمات سياسية وحروب، لا ينهار فيها البنيان فقط، وانما أيضاً الروابط الاجتماعية وأنقاض النظام القديم. والبلدان التي يبدو أنها مستقرة أو راسخة في الظاهر على أسس أنظمة قديمة وخارجة عن روح العصر، فستتعرض بدورها الى الزلازل والهزات، وسيكون عبورها الى المستقبل مع بطاقة أنظمة عصرية، أكثر صعوبة وتعقيداً. ومهما قيل وأعلن أو ما سيقال ويعلن حول لقاء الرئيس الأميركي اوباما وقادة الدول الخليجية، داخل المؤتمر وفي اللقاءات السرية وفي خارجها، فإن مضمونها الحقيقي هو معالجة هواجس العبور الى المستقبل، وبناء أنظمة جديدة بعد اجراء اصلاحات جوهرية فيها. والمهمة سهلة لدى البعض وصعبة لدى آخرين. وفي الخليج دول قد تكون صغيرة بحجمها، ولكنها نجحت في بناء دولة على أسس سليمة، وبنية اجتماعية مترابطة، ونافست حتى دولاً متقدمة في انجازاتها، مثل الامارات. والقيادة فيها من الذكاء بحيث تتطلع الى تنفيذ اصلاحات مندرجة على النظام السياسي، لأن تلك القيادة تعرف ان لا استمرارية تاريخية لأنظمة خارج العصر، في عالم يتطور بسرعة الكترونية!

الصراعات الراهنة من حروب، وتسلط على السلطة، وأنظمة دكتاتورية، وارهاب تكفيري، وفضائح وفساد وغير ذلك، كلها اشارات تؤكد الاقتراب من سقوط الانظمة القديمة غير السوية، وقيام أنظمة جديدة تبني عالماً عربياً جديداً يستحق أن يحجز لنفسه مكانة متقدمة في هذا العالم.

وقع خطآن في مقال أمس. الأول: بمن في ذلك المتنافرون. والثاني: زعاماته المتلاصقة وليس المتلاحقة.