Site icon IMLebanon

يعبرون فوق جثة إيلان

صنع الطفل إيلان الكردي موتاً تاريخياً بالمطلق قد يشكّل انعطافاً أوروبياً حيال أزمة اللجوء، التي حوّلت البحر المتوسط مقبرة تلفظ جثث الضحايا لا الى الشواطئ فحسب بل الى حطام الوجدان الدولي.

أقول حطام الوجدان الدولي وأخصّ إدارة باراك اوباما على الأقل التي تعامت عن المذبحة السورية المفتوحة منذ أربعة أعوام، على رغم ان الروس والإيرانيين يواصلون سكب البنزين فوق نيرانها المتأججة الى درجة ان نصف السوريين صاروا في التيه، يضاف إليهم مئات الآلاف من الليبيين والصوماليين، الذين لا يترددون في ركوب الموت المحتمل أملاً في الوصول الى فرصة حياة افضل!

ليس هذا بجديد. فقبل نصف قرن غرق الآلاف من الفيتناميين والكمبوديين الذي ركبوا قوارب الموت هرباً من مآسي الحروب، لكن الطفل الكردي إيلان إختار ان يقتحم اوروبا عندما رحل ورأسه في زبد الموج وجسده على الرمال، لكأنه تعمّد تقديم لوحة المأساة التي ستؤثِّم الوجدان الغربي وتفتح أبواب بعض الدول التي قررت إستضافة عدد ولو محدوداً من اللاجئين !

عام ١٩٢٠ كتب الفرنسي بول فاليري قصيدته الرائعة “المقبرة البحرية” [Le cimetière marin]، واليوم بعدما صار المتوسط مقبرة بحرية، بدا وكأن عملية الموت إنتقلت من مقبرة عند الشاطئ الى الأعماق المائية، لكن الطفل ايلان ودّع مثل جسر رأسه في البحر وجسده في الرمل، فهل تكفي مثلاً دموع أنغيلا ميركل لمعالجة جزء من المشكلة المتفاقمة؟

مسكين بلدنا لبنان ومسكين الأردن ايضاً، وخصوصاً عندما تقول ميركل “ما نعيشه سيشغلنا في السنوات المقبلة وسيغيّر بلادنا ونريد ان يكون هذا التغيير إبجابياً”، والمانيا رصدت مبلغ ستة مليارات أورو للسنتين المقبلتين لإستيعاب حصتها من اللاجئين التي لن تزيد عن ٥٠ ألفاً !

الى أمس كان يدخل لبنان ٥٠ الف لاجئ شهرياً، ولدينا ما يقرب من مليونين، خلافاً لقول فرنسوا هولاند ان لبنان يتحمل مليوناً ونصف مليون لاجئ ولم يعد قادراً على التحمّل وهو يتعرّض لخضات وإضطرابات ويجب ان ندعمه مالياً وسيُعقَد مؤتمر لهذه الغاية على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية ايلول.

فيديريكا موغيريني منسقة السياسة تتحدث عن خطة اوروبية جريئة لإستيعاب الدول الأوروبية ١٢٠ الف لاجئ خلال سنتين، ولكن ماذا عن تحمّل لبنان أعباء مليونين من اللاجئين في سنتين، وماذا عن تخلّف الدول المانحة عن تسديد إلتزاماتها للبنان التي أُقِرت في القمة التي إستضافتها الكويت وكانت الوحيدة التي دفعت حصتها؟

والسؤال الأهم الى متى تتعامى اميركا وتتورط روسيا وايران في المذبحة السورية، التي تضخّ الملايين من اللاجئين المساكين الى التيه أو الى أعماق المتوسط؟