لم تمنع خطابات «النصر» ولا الشعارات المذهبيّة المُتكرّرة، ولا حتّى الهدن العسكرية المُعلنة منها والسريّة أو المُفاوضات والمُؤتمرات المُتعددة الأسماء والأشكال، تدفّق النزف الحاصل في صفوف عناصر «حزب الله» الغارق في الحرب السوريّة منذ العام 2011. فمرة جديدة يبرز الوجع نفسه كعنصر أساسي داخل بيئة «لا حول لها ولا»، سوى الانصياع لأوامر أصحاب قوى الأمر الواقع والذهاب مُرغمة إلى الموت من دون السماح لها بالتعبير عن ألمها ولا الإفصاح عن رغبتها بالرجوع عن الخطأ وسلوك طريق العودة.
منذ بداية العام الجاري، أي منذ نحو شهرين تقريباً، وحتى الأمس، خسر «حزب الله» ما لا يقل عن ثلاثين عنصراً في مناطق مُختلفة في سوريا تحت عنوان «الواجب الجهادي». واللافت أن الخسائر الأخيرة هذه، وقعت خلال مسافة زمنية قصيرة على إعلان الحزب عن جملة «إنتصارات» حقّقها امتدت من حلب إلى وادي بردى. وآخر هذه الخسائر أو الانتكاسات، كما يُسميها البعض، والتي يبدو أنها مُكملة حتى أجل غير مُسمّى، استُكملت من الأسبوع الماضي الذي سقط فيه العنصر مهدي علي حيدر ابن بلدة اللويزة الجنوبية والمعروف بـ «ذو الفقار»، والذي نعاه الحزب على أنه «قضى أثناء تأدية واجبه الجهادي في معركة الدفاع المقدّس عن أهلنا»، حتى يوم أمس، بسقوط المقاتل حسين محمد سليم الملقب بـ «ثائر»، وهو من بلدة عيتيت في منطقة صور.
المؤكد، أن سقوط عناصر من «حزب الله» في سوريا، في ارتفاع مُستمر وتبدّل دائم بين لحظة وأخرى، وحتى في ظل ما يُوصف بزمن «التهدئة» أو مرحلة ما قبل هبوب العاصفة. كأنها بورصة قتل تأبى أن تستقر على حال، فتحوّلت إلى معضلة غاية في الصعوبة تعجز القيادة الحزبيّة العاملة على خطّي بيروت ـــ سوريا والعكس عن حلّها أو الحدّ منها. أمّا ما يصعب على هذه القيادة إخفاؤه من معلومات عن أعداد عناصر الحزبالذين يسقطون في سوريا، فتتكفّل به مواقع وصفحات إلكترونية تعود لحلفاء الحزب، والذين تحوّلوا بدورهم إلى مصدر موثوق في نقل الاخبار من وراء الحدود يمكن الركون اليه في عمليّة الكشف عن الأسماء والأعداد.
وعلى الرغم من تشديد «حزب الله» الرقابة على هذه الصفحات والمواقع وأصحابها في آن، ودعواته المُتكرّرة إلى عدم نشر أي خبر يتعلّق بعناصره سواء القتلى او الجرحى، إلّا أنها تنشط بكثرة خلال المرحلة الحالية وبشكل فعّال خصوصاً على خط سقوط العناصر، فتجدها تبحث عن الأسماء و»الكنية» وعن خريطة سير رحلة العلاج سواء في مستشفيات البقاع أو بيروت وصولاً إلى توزيع صور خلال عمليات الدفن. وقد رصد هؤلاء خلال الاسبوعين الاخيرين، سقوط العديد من العناصر، وما يزيد عن ثلاثين إصابة، ومعظم الجراح توصف بالحرجة.
تعتب بيئة «حزب الله» على القيادة التي يبدو انها تأقلمت مع موت الأبناء وأصبحت تنعى عناصرها وكأنه أمر مفروغ منه. وبرأي البيئة ان الحزب مُنشغل هذه الفترة بالمكاسب التي يُمكن أن يحرزها من خلال المفاوضات القائمة.
وفي محاولة منه للتغطية على هذا الإهمال الفاضح بحق الأهالي، يسوّق الحزب مجموعة من الشعارات من بينها أن الموت تحت عنوان «الواجب الجهادي» هو حياة في دنيا الأخرة، وهو يعمل بالتالي لكي يُصبح هذا الشعار عنواناً للمرحلة المقبلة، وأن يحتل أقصى طموحات عناصره.
فبرأي «حزب الله»، أنه لا فرق إن كان «العدو» هو الشعب السوري أو في أي مكان آخر، فالمهم، هو الوعود بإقامة مآتم وجنازات حاشدة للعناصر، على أن تمتد أياماً وليالي، بالإضافة إلى الأمر الأكثر أهميّة وهو، عرض وصايا العناصر المصوّرة على شاشة تلفزيون «حزب الله» وإجراء مقابلات خاصة مع الاهل والأقارب والأصدقاء والتحدّث عن سيرة «الشهيد».
في ظل مرحلة الإستهتار هذه التي يمر بها على صعيد رفع المعنويّات بين عناصره ومنح ذويهم إهتماماً كانوا قد اعتادوه في مراحل سابقة، يلحظ «حزب الله» تراجعاً كبيراً لجهة عمليّة استقطاب العناصر الجديدة في صفوفه خصوصاً من جيل الشباب، ولذلك كان لا بد من التركيز على ذوي الأعمار الفتيّة من خلال اللعب على الوتر المذهبي إمّا خلال حلقات دينيّة أو عبر تقديم الدعم المعنوي مثل منحِ الفتيان بطاقات حزبيّة وبعض المغريات الماديّة. وسبق للحزب أن عانى من هذه الانعكاسات على بنيته التنظيمية مع اشتداد تورطه في الحرب السورية، فيومها وجّه بوصلة استعاناته الى الفتية لدرجة انه قام بإدراج دروس عن «الشهادة» والإلتزام الكامل في صفوفه التنظيمية والعسكرية في المدارس والمعاهد التابعة له. ومن يومها صار معروفاً، بأن أقصى طموح هؤلاء الطلاب هو أن يُصبحوا «شهداء».