ليس الصراع على تمثيل المعارضين في مفاوضات جنيف السوري سوى تسابق على الدوران في مأزق. فلا ما فرضه الزحام في حرب سوريا من زحام في مؤتمر البحث عن تسوية مستدامة يضمن تجنب الاصطدام بالجدار وصولاً الى الفراغ. ولا ما جاء في النص الطويل للدعوة الموجهة من الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا الى الأطراف يقود الى تسهيل الترجمة العملية لتعابير عامة فضفاضة يحتاج كل منها الى مؤتمر كما الى تطور على الأرض.
إذ كيف تدور وتُدار محادثات حول عملية سياسية ملحة تستند الى بيان جنيف في العام ٢٠١٢ وتتماشى مع بيان فيينا الصادر في ١٤ تشرين الثاني عن المجموعة الدولية لدعم سوريا؟ كيف يمكن، وسط المواقف المتناقضة، التوصل الى اقامة هيئة حكم انتقالي تطالب بها المعارضة حسب بيان جنيف، وهي مشروطة بما سمي القبول المتبادل؟ وكيف يمكن، في ظل تمسك كل طرف بتفسير خاص إرساء حكم ذي صدقية وشامل وغير طائفي بعد كل ما حدث من شحن للعصبيات وتوظيفها في حروب سوريا والعراق واليمن؟
الواقع ان جنيف السوري مؤتمر مركّب معقد، لا بسيط. أولاً لجهة خارطة الطريق والجدول الزمني لتطبيقها الممتد على مدى ١٨ شهراً تبدأ ب استشارات لتنظيم مفاوضات تستمر ستة أشهر في جنيف. وثانياً لجهة الزحام التفاوضي بحيث يبدو المؤتمر كأنه أربعة مؤتمرات لكل منها مرتبة مختلفة. المرتبة الأولى هي التفاوض عبر دي ميستورا ومساعديه بين وفدي النظام والمعارضة التي تمثل اجتماع الرياض الموسّع. المرتبة الثانية هي الأدوار أو الاستشارات المطلوبة من ممثلي اجتماع موسكو واجتماع القاهرة ومؤسسات المجتمع المدني. المرتبة الثالثة هي لممثلي ١٧ بلداً تشكّل المجموعة الدولية لدعم سوريا، حيث لكل بلد وفد في غرفة قريبة من مقر المفاوضات يراقب ويتدخل في الكواليس. والمرتبة الرابعة هي المرتبة العليا، حيث الروس والأميركان يديرون اللعبة عملياً.
والظاهر، حسب كلام الوزير سيرغي لافروف، ان موسكو تتصرّف على أساس ان العملية العسكرية الروسية تحدّد خطوط التسوية السياسية، والواضح، برغم التوضيحات الأميركية لكلام الوزير جون كيري الصارم في الرياض، ان الموقف الفعلي لواشنطن هو ما تقوله لموسكو، وليس للبيان الذي حاولت عبره تخفيف الصدمة على المعارضة. فضلاً عن أن روسيا تسند موقفها من التسوية بالقوة العسكرية. في حين أن أميركا تتحدث عن موقف مرتفع السقف من دون أن تدعمه على الأرض، وهي تراهن على التفاهم مع الروس.
لكن وقف المذبحة يستحق مجازفة.