نحن وحدنا بين عالم الأرض، لا رئيس عندنا ولا قصور ، بل معبد مهجور ، تُـتلى فيه الصلاة عن روح الغائب .
ونحن وحدنا ، لا عهد عندنا ولا وليّ عهد ، العهد مخطوف على هويته الدستورية ، وولي العهد إسمه مجلس وزراء وُلِدَ بالحرام الشرعي ، وعندنا بسبب تعدّد الزوجات ، أربعة وعشرون وليّاً وراثياً لوليّ العهد .
في بلدان العالم ، المتطور منها والمتخلف ، يـموت الملك فيعيش الملك ، عندنا . . . يرحل الملك فتموت المملكة وتستغرق الرعية بالحداد ، وعبثاً يطلب فرعون من إقليدس أن يعلّمه الأصول الهندسية لأن الجواب : «ليس هناك طريق ملكي يؤدي الى الهندسة . .»
عندنا . . . ليس من طريق ملكي يؤدي الى الهندسة ، وليس من طريق هندسي يؤدي الى الملك .
نحن نحب التجمّد في التاريخ ونـنتصب كالأصنام أمام السرايا الحكومية تحت شعار : «لو دامت لك فما آلت إليك» . . وهي ما آلت وقد لا تدوم .
الجمهورية التي عندنا ، كتب إسمها في الدستور كالجمهورية الرابعة التعيسة التي ورثتها فرنسا عن الحرب العالمية الثانية ، فتقهقرت بسبب التنازع السياسي ، وسقوط الوزارات ، وانهيار الوضع الإقتصادي ، وإضرابات العمال ، وحرب الجزائر .
نحن ننتظر جمهورية شارل ديغول الخامسة لإلغاء الإمتيازات التي ربطت مصير فرنسا بحلف شمال الأطلسي ، ومشروع مارشال ، والمعاهدة الفرنسية الأميركية ، والمحافظة على مكتسبات الثورة الفرنسية في الدستور .
نحن نفتش عن ديغول في الطائف وفي الدوحة وفي مجاهل العالم الثالث لاسترجاع الدولة الشاردة والجمهورية السائبة والرئاسة الشاغرة ، لأننا مزَّقنا هويتنا الوطنية على أقدام التاريخ وأبواب السفارات .
وقديماً قرأ الشاعر طانيوس عبده أن اليونانيين القدامى كانوا يجدعون أنف المرأة الخائنة ويفقأون عين الرجل الخائن فكتب :
فلَوْ وصلتْ شرائعُهْم إلينا
على ما نحنُ فيه منْ مَجونِ
لأصبحتِ النساءُ بلا أنوفٍ
وأصبحتِ الرجالُ بلا عيونٍ .