صلبوه منذ ما يقارب العام ولا يزال مصلوباً، فلا قُبِرَ ولا هو قام، ولم يصعد الى الملكوت بالرفْع.
تقولون «لا» في اللحظة التاريخية التي يجب أن تقولوا فيها «نعم» صلبوه، ولا يزال معلقاً على خشبة، وهم يتقاذفون الإتهام حول من كان بيلاطس البنطي الذي غسل يديه من دم هذا الصديق، ومن يكون هيرودوس الذي يقطع رؤوس الأنبياء إكراماً لراقصة.
منذ نحوٍ من ثلاثين عاماً… وفي أحد أعياد الفصح الذي حلَّ بعد تلك الحرب المارونية – المارونية التي اشتعلت بجاذبية الكرسي، قصدتُ دار الطائفة الأرتوذكسية في بيروت للمعايدة جرياً على العادة في كل عام، يومها… دفع إليّ كاهن بسجلّ تُدوَّن فيه كلمات المعايدات فكتبتُ: «في عيد فصحه الماروني صُلِب، وفي عيد فصحه الأرتوذكسي قام».
واليوم، لست أدري ما إذا كنت سأكتب تكراراً هذا الكلام، إذا ما قمت بواجب المعايدة في المطرانية الأرتوذكسية في بيروت.
ولست أدري ما إذا كان ذلك المصلوب لا يزال معلقاً على الصليب الماروني – الماروني في جلجلة بعبدا، وإذا كانت المعادلة هي بين جمهورية بعبدا وجمهورية المسيح، هذه الجمهورية التي كان المسيح نفسه ضحية لها، فتآمر ملوك إسرائيل على قتله حين قيل: إنه ملك اليهود، على الرغم من أن مملكته ليست من هذا العالم، ولأن جمهوريتكم من هذا العالم يقول لكم: «الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم فلا يكون هكذا فيكم…».
إنه ذلك التاريخ يرتسم اليوم أمام البشر: «فتقوم أمَّةٌ على أمة ومملكة على مملكة» وهو منتصب على الصليب الإلهي مدمّى بالحراب، وخطايا العالم معقودة على راحتيه تحت وقع المسامير… وفي مشهد يجسّد إنسانية سماوية على الأرض، يُصلب بين لصّين، إذْ حيث يصلب الإنسان يُصلب الله.
هذا الذي «لم يأتِ ليلقي سلاماً بل سيفاً» على من جعلوا من بيته مغارة للصوص، لم يكن «رجلاً مسكيناً ضعيفاً» كما وصفه الفيلسوف الإلماني «نيتشه»، بل هو كما يصفه تصحيحاً «الفيلسوف» اللبناني جبران: «لم يكن ضعيفاً مسكيناً بل عاش ثائراً وصلب متمرداً ومات جباراً».
فلتكن إذاً عظمة قوتكم مستمدَّة من هذا الثائر المتمرد الجبار، بما «يعطيكم من الكلام والحكمة»، وليكن كلامكم «نعم نعم» «ولا لا»، لأن المشكلة عندكم وفيكم هي أنكم تقولون «لا» في اللحظة التاريخية التي يجب أن تقولوا فيها «نعم».