عبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن خيبة أمله من السياسة الأميركية المترددة وغير الحاسمة في القضية السورية، فأعلن بعد أيام قليلة على حادث الاعتداء على مجلة «شارلي ايبدو» عن هذه «الخيبة» بقوله: «ما زلت ابدي اسفي لأن المجتمع الدولي لم يتحرك في الوقت المناسب لوقف المجازر في سوريا، ومنع المتطرفين من توسيع سيطرتهم اكثر»، و«كان ذلك خصوصاً في أيلول عام 2013 عندما كان على المجتمع الدولي ان يتحرك. فرنسا كانت على استعداد، الأوامر أعطيت، القوات متأهبة، لكن تمّ تفضيل طريق آخر وها نحن نرى نتائجها».
سلّط الرئيس هولاند الضوء على مرحلة زمنية هامة في مسار الحدث الأمني والسياسي في سوريا، وهو يُحمِّل الرئيس الأميركي باراك أوباما المسؤولية غير المباشرة عن الذي حصل منذ أيام في باريس وذهب ضحيته 17 مواطناً فرنسياً، كما يحمله مسؤولية استمرار العنف في سوريا، والاهم مما سبق يحمله تبعة تنامي قدرات التنظيمات الإسلامية المتطرفة على حساب قوى الاعتدال الممثلة «بالجيش السوري الحر».
ففي 20 آب 2013 احرزت قوات المعارضة المسلحة السورية تقدماً بارزاً في الغوطتين الشرقية والغربية المحيطين بالاحياء الداخلية للعاصمة التي تتمركز فيها قوات الرئيس بشار الأسد، وقتها اتخذ الأسد القرار باستخدام السلاح الكيماوي في الغوطة التي تسيطر عليها المعارضة لوقف تقدمها فقتل خلال دقائق 1500 مواطن سوري فيهم الشيخ والرجل والمرأة وعدداً كبيراً من الأطفال.
وقتها الرئيس أوباما زمجر وهدد وتوعد الأسد كون الأخير تخطى «الخطوط الحمر» التي كان قد اعلنها سابقاً أوباما وهي «ان استخدام الأسد للسلاح الكيماوي الذي يملكه يُشكّل خطاً احمر ممنوع استخدامه».
امام احراج الرئيس الأسد للرئيس أوباما لم يتأخر «المنقذ» الروسي بتحركه فضغط على الأسد «ووصيه» النظام الإيراني «بأنه رفع الحرج عن الرئيس أوباما، الذي يتعرّض لضغوط من الكونغرس والجمهوريين، ولمنع الضربة العسكرية الأميركية – الأوروبية التي بدأ القادة العسكريون يخططون لها، ومع اعلانهم عن بنك أهداف سورية سيتم ضربها وفي مقدمها الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، والحرس الجمهوري..، ولوقف كل ذلك على النظام السوري ان يسلم ما لديه من سلاح نووي لهيئة الطاقة النووية الدولية لتدميره، وقتها سارع الأسد وسلم السلاح الكيمياوي السوري لهيئة الطاقة وتم تدميره».
وهكذا استطاع «المنقذ» الروسي ان يحمي نظام الأسد من السقوط، واكتفى وقتها أوباما بما حققه من إنجاز تدمير السلاح الكيمياوي السوري وهو سلاح استراتيجي تمّ تحضيره خلال أكثر من أربعة عقود.
وقتها أوباما تراجع عن تهديداته، وتناسى «الخطوط الحمر» التي اعلنها واكتفى بإنجاز تدمير السلاح الكيمياوي السوري، الذي نال رضى الإسرائيلي.
ان فرنسا كانت في مقدمة الدول المتحمسة للحسم العسكري في سوريا، فهي ترى ان تردّد الرئيس أوباما وهو رئيس اقوى دولة في العالم شكل السبب الرئيسي لاستمرار الأزمة السورية لهذه المدة الطويلة، كما لديها (فرنسا) رؤية بأن احجام أميركا عن تسليح «الجيش السوري الحر» وهو القوى المعتدلة في المعارضة المسلحة، يعني اضعاف لقوى الاعتدال السوري، وبالتالي ترك الساحة لقوى التطرف من «داعش» إلى «النصرة» كما ان إدارة أوباما لجأت إلى ممارسة ضغوط على الدول الداعمة للمعارضة وللجيش الحر ومنعتها من تزويده بالسلاح المطلوب، فالمعركة الحسم فيها للإمكانات العسكرية والمالية والسياسية.
الرئيس الفرنسي بعدما تلقى الضربة من قوى التطرف، وهي ضربة مؤلمة لسلطته، أراد ان يقول ان تردّد الرئيس أوباما، واستمرار الأسد باستخدام أحدث أنواع الأسلحة من طيران وصواريخ سكود وكيمياوي ضد شعبه دون رادع دولي دفع بقوى التطرف لتنمو وتكبر على حساب قوى الاعتدال. وها هي فرنسا تتعرض لعدوان إرهابي، بسبب فشل المجتمع الدولي سياسياً وعسكرياً في سوريا الذي تقوده إدارة أميركية مترددة وغير حاسمة.
الرئيس الفرنسي أطلق صرخة بوجه الحليف الأكبر.. هل من يسمع صداها في البيت الأبيض؟