ما هي الخلفية الحقيقية لقرار جمال سليمان، أمين عام حركة «انصار الله» الفلسطينية المدعومة من «حزب الله» وإيران، إنهاء مسؤوليته التنظيمية كأمين عام للحركة.
البيان المقتضب الصادر عن سليمان لم يحدد السبب الفعلي لهذا التنحي، وبقي محصوراً بالعموميات وببعض التلميحات غير المباشرة الى عدم رضى عن الواقع الفلسطيني. وقال سليمان في بيانه: «أعتبر نفسي بمنأى عن المسؤولية لأن الحالة المرضيّة التي وصلت اليها الأمور لا يرضى بها صاحب نخوة وكرامة وانا لم أكن يوماً الا الضمانة الرئيسية لشعبي وقضيتي رافضاً كل انواع الظلم والهيمنة وإلغاء الآخر»، لافتاً الى ان «التخلي عن المسؤولية جاء ليأخذ الأمر مساره الصحيح في تبيان الامور التي لم تعد تطاق وليس هناك من عاقل يقبل بهذا التردي والظلم والكيدية والنفاق بأوسع اشكاله على الاطلاق«. الا ان مصادر فلسطينية مطلعة اعتبرت ان قرار سليمان التنحي هو بمثابة «صرخة» ثانية بوجه حليفه وداعمه الرئيسي «حزب الله» سبقتها في العام 2012 صرخة أولى بإعلان فك ارتباط الحركة العسكري والأمني والسياسي مع «حزب الله» وقطع العلاقات القائمة بأشكالها كافة، على خلفية تراجع دعم الأخير لهذا التنظيم، وتهميشه لدوره فلسطينياً وبسبب استعاضة الحزب عن «أنصار الله» في المخيمات بدعم تنظيمات أخرى وبتشكيل نواة لسرايا المقاومة في هذه المخيمات من أفراد فلسطينيين وإمدادهم بالمال والسلاح على حساب قسم كبير من الدعم الذي كان يذهب لـ«أنصار الله»!
كما تأثرت العلاقة بين الطرفين بتطورات الملف السوري كون احد ابناء سليمان يدعم الثورة في سوريا! ولوحظ انه منذ ثلاث سنوات غابت مسيرة يوم القدس العالمي التي كانت تنظمها «انصار الله» في المخيمات بدعم من الحزب، لدواعٍ وُصفت حينها بالأمنية! ومنذ ذلك الحين انكفأ نشاط «انصار الله» تدريجياً الى الأطر الفلسطينية الموحدة التي شكلت لضبط الوضع الأمني في المخيم ولا سيما اللجنة الأمنية الموحدة والقوة الأمنية المشتركة وبقيت حركتها محصورة الايقاع ضمن الحراك الفلسطيني العام مع الحفاظ على هامش من الخصوصية في العلاقة مع الفاعليات اللبنانية.
وعلمت «المستقبل» في هذا السياق ان سليمان اتخذ القرار بإطلاق الصرخة الثانية على اثر اغتيال المسؤول في سرايا المقاومة مروان عيسى في مخيم «عين الحلوة« وما تردد حينها من ان «حزب الله» كان ينتظر من «أنصار الله» أن تقوم بمبادرة عملية تجاه الحزب في هذا الملف وغيرها من الاغتيالات التي استهدفت عناصر من «السرايا« في المخيم لجهة كشف مرتكبيها وتسليمهم، لكن يبدو ان عدم رضى الحزب على اداء «أنصار الله» انعكس مزيداً من التقليص للدعم الذي كانت تتلقاه الحركة منه. وبالمقابل كان سليمان ينتظر من الحزب ان يقف الى جانبه في معالجة تداعيات حوادث المية ومية في نيسان من العام الماضي ومقتل الفلسطيني احمد رشيد مع تسعة آخرين والتي اتهم فيها عناصر من «انصار الله» وما زال بعضهم موقوفاً في هذه القضية.
عويد
وما لم يقله بيان جمال سليمان، عبّر عنه ضمناً المسؤول التنظيمي في «أنصار الله» ماهر عويد الذي كشف في حديث لـ»المستقبل» انه ومسؤولين في الحركة التقوا منذ ايام وفداً أمنياً عسكرياً من «حزب الله» وأوصلوا إليه هذه الصرخة، وقال: «نعتز بعلاقتنا بـ«حزب الله»، فمنذ عام 1990 ولليوم وكل امكانياتنا المادية والسلاح هي من «حزب الله» ونفتخر ونعتز اننا الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي شاركنا في المقاومة ابان عدوان تموز. ومنذ ايام جلسنا مع الحاج حسن حب الله ووفد امني عسكري من «حزب الله» للتنسيق مع الواقع الفلسطيني، وأوصلنا إليهم صوتنا. فصحيح أن اخوتنا في «حزب الله» يدعمون بعض الفصائل الفلسطينية ويدفعون لأسرانا وشهدائنا لكن في الملف الداخلي هناك تقصير من اخواننا في الحزب ولا أريد الغوص بالتفاصيل. وهناك فصائل تأخذ إمكانيات واضحة من «حزب الله» لكن في ملف الواقع الفلسطيني الداخلي هناك تقصير من الأخوة في «حزب الله« كما هناك تقصير من بقية الأخوة في الواقع الفلسطيني«.
وعما إذا كان لتشكيل «سرايا المقاومة« في المخيمات علاقة بـ»صرخة» «أنصار الله» قال عويد: «هذا الموضوع أعطي أكبر من حجمه، وبحسب معلوماتي المؤكدة انه منذ اكثر من عشر سنوات كان هناك شخص من الأخوة يريد تأسيس السرايا في المخيمات فراجعنا «حزب الله» وابلغوا هذا الشخص ان هذا الامر غير مسموح لأن هناك جهات رسمية فلسطينية تتعاطى بموضوع المخيمات، لكن للأسف بعض المرجعيات الفلسطينية – اللبنانية تعطي الموضوع اكثر من حجمه.. حالياً كأفراد سرايا المقاومة موجودة في المخيمات لكن ليس كحالة مثل تلك الموجودة في مناطق لبنانية معينة«.
ورداً على سؤال عما اذا كان «حزب الله» منزعجاً من «أنصار الله» لأنها لم تقتص من قتلة مروان عيسى أوضح: «أولاً، تبين أن استدراج واغتيال مروان عيسى كان الهدف منه مالياً وليس أكثر، منفذو هذه الجريمة ونتيجة شح مالي لديهم أرادوا توجيه رسالة الى الجهة التي كانت تدعمهم بأنهم يقومون بعمل يستحق هذا الدعم! «حزب الله» لم ولن يطلب منا الانتقام أو عدمه، وإذا أراد أن يقتص من أحد فيده طولى وهو يدافع عن الأمة كلها ولن يعجز اذا أراد أن يقتص من أي إنسان داخل المخيم أو خارجه .«!
وحول ما إذا كان لملاحقة وتوقيف كوادر من «أنصار الله» في حوادث «المية ومية« علاقة بقرار سليمان الأخير أكد عويد: «لا أريد أن أغوص بالتفاصيل، ولكن هناك 35 مطلوباً من إخواننا في هذا الملف وهم مظلومون، وجزء كبير من هذا الملف مسيس«.
وعن رد فعل كوادر ومناصري «أنصار الله» على بيان سليمان قال: «لقد زاد من تماسك الحركة وتمسكها بالامين العام.. ولليوم كشورى في الحركة ندرس هذا الموضوع ولم نوافق على استقالته وهناك وفود تزوره وتضغط عليه للعودة عن الاستقالة.« يذكر أن الارتباط بين جمال سليمان و«حزب الله» إبان حرب «أمل« «حزب الله» في العام 1990 حين كان سليمان ضابطاً في حركة «فتح« وكان حينها على رأس كتيبة تساند «امل« في وجه تمدد «حزب الله» في إقليم التفاح، قبل أن ينشق عن فتح ويقاتل حينها الى جانب «حزب الله» ضد «أمل« و«فتح« نفسها.. وبعدها بسنوات قليلة أعلن سليمان إنشاء تنظيم عسكري سماه «حركة أنصار الله» واتخذ من مخيم «المية ومية« معقلاً له. واعتمد «حزب الله» على تنظيم «انصار الله» في العديد من المهمات الأمنية والعسكرية بقي معظمها سراً، وبقي يمده بالمال والسلاح. وحتى العام 2006 كان «أنصار الله» الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي بقي يتواجد في مواقع متقدمة على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة في مواجهة العدو الإسرائيلي. وفي عدوان تموز، ومنذ ذلك التاريخ شارك «أنصار الله» في إطلاق صواريخ باتجاه المستوطنات الاسرائيلية.. لكن العد العكسي للعلاقة بين سليمان و«حزب الله» بدأ فعلياً بعد الاحتلال الأميركي للعراق حين قضى أحد أبناء سليمان هناك أثناء قتاله الى جانب تنظيمات أصولية، ثم لاحقاً عندما توجه ابنه الثاني الى سوريا للقتال مع الثوار.