IMLebanon

صرخة يأس

ما الذي يمكن أن يدفع فتاتين فلسطينيتين في الـ13 من عمرهما كانتا في طريقهما الى المدرسة كي تغيرا حياتهما جذرياً وتهاجما شرطياً إسرائيلياً بالسكاكين؟ أي صرخة يأس أرادت هاتان الفتاتان اطلاقها؟ وأي غضب وثورة دفعاهما الى هذا العمل اليائس الذي ستدفعان ثمنه سنوات طويلة من عمرهما في سجون إسرائيل؟ من الصعب معرفة ذلك على الذين لم يعيشوا تجربة العيش في مدينة عربية مختلطة يهودية – عربية مثل مدينة الرملة، ومن لم يعرف صعوبة أن تكون فلسطينياً وأن تحمل في الوقت عينه الجنسية الإسرائيلية وتشاهد يومياً اخوة لك يقتلون بنيران إسرائيلية.

منذ أكثر من أربعة أشهر يشاهد الفلسطينيون في كل مكان، وخصوصاً الفلسطينيين في إسرائيل، “هبة” الشباب الفلسطيني في مدن الضفة الغربية واحياء القدس الشرقية، ويتضامنون معهم ويرغبون في ضم صوتهم إلى صرخة هؤلاء الشباب الذين قالوا لا للاحتلال الإسرائيلي، وللسياسات العنصرية، والتوسع الاستيطاني على حساب الفلسطينيين. وهذا التضامن مع الهبة الأخيرة ليس اعجاباً بعنف مجاني، بقدر ما هو تضامن مع شجاعة فردية تمثل نوعاً من البطولة الجديدة اخترعها جيل شاب فلسطيني متمرد.

تتعامل الأجهزة الإسرائيلية مع موجة الاحتجاج الفلسطينية باعتبارها مرحلة عابرة لأنها حتى الآن لا تزال ضمن اطار هبة أفراد ولم تنجح في احداث انتفاضة شعبية واسعة النطاق. لكن العجز الإسرائيلي في مواجهة هذه الهبة حتى في حدودها الحالية واضح للعيان. وعلى رغم التقنيات الهائلة التي تملكها إسرائيل للتجسس على الفلسطينيين، فهي لم تنجح في ردع أو احباط الهجمات الفلسطينية الأخيرة التي تتفاجأ بها في كل مرة. ويعترف المسؤولون العسكريون بعدم وجود رد عسكري ناجع على هذه الهجمات التي يتوقعون ان تستمر سنة أخرى وان تزداد عنفاً وشراسة.

ما لا تريد حكومة نتنياهو الاعتراف به هو انها لا تستطيع ان تقضي على كل أمل في التسوية السياسية مع الفلسطينيين، ومحاربة أي مبادرة دولية لتحريك العملية التفاوضية، وتهميش القضية الفلسطينية وحرمان أصحابها الأمل في دولة مستقلة من غير ان تدفع الثمن. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون، فإن الدافع الأساسي إلى الهجمات الفلسطينية هو اليأس وفقدان الأمل لدى جيل الشباب، وليس كما تدعي حكومة نتنياهو التحريض الفلسطيني وصعود التيارات الجهادية.

إن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو آخر نموذج للاحتلالات الاستعمارية في القرن الحادي والعشرين. وهبة الشباب الفلسطيني ضده صرخة يأس موجهة الى إسرائيل والى العجز الدولي، وحال التشرذم الفلسطيني، وانعدام الاهتمام العربي.