من نافل القول إنّ تطبيع العلاقات الأميركية ـ الكوبية سيُثير كثيراً شهية التحليلات التي تسعى إلى قراءته والإستدلال به، في قراءة حالات جديدة ربما تتكرّر مع جهات أخرى.
مع توالي كشف الرسائل والوساطات التي ساهمت في إنضاج هذا «التطبيع»، وفي مقدّمها الدور الرئيس للبابا فرنسيس، إلّا أنّ هذه الخطوة كانت مُتوقّعة إذا ما استُعيدت المواقف الأميركية نفسها من هذا الموضوع.
فبعد المصافحة التاريخية بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والكوبي راوول كاسترو في قمة الأميركيتين منذ أعوام، قيل يومها الكثير عن بدء العدّ العكسي لإنهاء «العداوة» التاريخية بين البلدين، وإنهاء آخر النماذج من حقبة بالية في العلاقات الدولية تنتمي الى إرثٍ لم يعد قائماً تاريخياً، على ما أشار اليه أوباما نفسه، في خطاب تطبيع العلاقات مع هافانا.
ردّات الفعل «الطبيعية» التي تصدر عن دوائر أميركية، لعلّها تكشف مضمرات كثيرة، في وقت يعتبر عدد من المسؤولين الأميركيّين أنّ الخطوة لم تكن لتتمّ لو لم تجرِ تحوّلاتٌ عميقة، سواء في كوبا أو في دوائر اللوبي الأميركي اللاتيني والكوبي نفسه، مع بلوغ حقبة العلاقات الملتوية نهاياتها، والتي كانت تُخفي بين ما تخفيه، شبكة من المصالح السياسية والإقتصادية المافيوية ترتزق من تلك القطيعة.
أمر آخر يأخذ حيزاً واسعاً من المناقشات الأميركية الجارية حيال السياسة الخارجية راهناً، يتعلق بملف النزاع العربي ـ الإسرائيلي، خصوصاً ملف القضية الفلسطينية.
وتؤكد أوساط أميركية أنّ توتراً يسود أوساط ما يعرف باللوبي الإسرائيلي، مع تزايد الضغوط على الإدارة الأميركية في مواجهة إحتمال حصول «دولة فلسطين» على إعتراف بها بقرار يصدر عن مجلس الأمن.
وتشير الى أنّ الإدارة تجري نقاشاً متأنّياً بعد تنامي الضغوط الأوروبية التي تتوالى إعترافات دولها «الرمزية» بفلسطين، في وقتٍ تجد واشنطن نفسها عاجزة عن غضّ الطرف عن دلالات تلك الإعترافات ومستقبلها على المفاوضات بين الجانبَين الإسرائيلي والفلسطيني.
وعلى رغم ثقة تلك الأوساط بأنّ الضغوط الأوروبية قد لا تكون كافية وحدها لإجبار الولايات المتحدة على تغيير موقفها من هذه القضية، إلّا أنّ نهج أوباما في هذا المجال قد لا يحيد هو الآخر عمّا أنجز في ملف العلاقات مع كوبا.
وتكشف تلك الأوساط أنّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أنجز «عملاً مهماً» خلال زيارته الأخيرة الى واشنطن. فهناك مَن يهمس بنصائح جدّية للفلسطينيين بضرورة «أخذ» ما يمكن تحصيله في قرار «متوازن» يصدر عن مجلس الأمن كمرحلة اولى، حتى ولو بدا القرار وكأنه «أُفرِغ» من مضمونه عبر شطب عبارة «إنهاء الاحتلال الاسرائيلي» فوراً منه.
على الأقل، هذا ما ألمح اليه وزير الخارجية جون كيري امس الأول حين قال «إنّ واشنطن قد تتعامل بموضوعية مع قرار يُصاغ بطريقة متوازنة».
فالأميركيون يدركون اليوم أنّ المهمات المطلوب تنفيذها خلال الحرب على الإرهاب في المنطقة، تتطلّب مظلة سياسية وازنة بحجم القضية الفلسطينية، الأمر الذي قد يُمهّد لصدور قرار قد يعترف بدولة فلسطين، مع ترك القضايا الرئيسة الى المفاوضات الثنائية بين الطرفين.
وتعتقد تلك الأوساط أنّ إدارة أوباما قد تكون في طريقها الى تحقيق بعض «الإنجازات» في سياستها الخارجية، خصوصاً أنّها عادت تمسك بملفات إقليمية عدة مجدّداً وفق معادلة، تبدو معها مواقف الأطراف الأخرى في موقع ضعيف، خلافاً لما يدَّعيه هؤلاء.
وإذا نجحت حرب «تحرير» جبل سنجار بتنسيق كردي ـ أميركي مباشر، وتقدّم توحيد صفوف القيادات السنّية في العراق تمهيداً لبدء تشكيل الحرس الوطني لمواجهة «داعش»، فإنّ مثلثاً جديداً في طريقه الى التشكّل في العراق أولاً، تمهيداً لإسترجاع الموصل، والتفرّغ بعدها الى الحرب السورية.
وتدعو الأوساط أخيراً الى مراقبة تداعيات الإنهيارات السياسية والإقتصادية المتوقعة، فيما الصراخ يتعالى سخطاً على إنهيار أسعار النفط وتحميل «الشيطان الأكبر» وحلفائه الخليجيين المسؤولية، مع إقتناعها بأنّ التلاعب الروسي في ملف الأزمة السورية قد لا يؤدّي الى أيّ مكان.