IMLebanon

كوبا ـ فلسطين!

 

صحيح في المبدأ طرح السؤال على مستر أوباما في شأن «سياسته الفلسطينية» في ضوء الفتح الذي حققه في سياسته الكوبية.. وصحيح أكثر في هذا المجال، استعارة ما قاله هو عن عبثية الاستمرار في اعتماد معايير الحرب الباردة بعد أكثر من عقدين على انتهائها.

لكن المعضلة في هذا الأمر سابقة للخرق الكوبي وتستمر بعده. بل أكثر من ذلك: هي خارج كل سياقات الحرب الباردة وفوقها تماماً، وخارج كل «المستجدات» السياسية والجغرافية التي طبعت مرحلة ما بعد تلك الحرب وانتهاء مبرراتها وأسبابها تبعاً لسقوط كل منظومة الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي.

«فرادة» المعضلة الفلسطينية في كونها إسرائيلية السبب.. ومن هذه النقطة تبدأ مدوّنة الغرائب. وفي أولها أن التغييرات الجذرية التي طاولت البنى الإقليمية والامبراطورية التي ولّدتها الحرب العالمية الثانية ورسختها الحرب الباردة، مرّت على «حدود» إسرائيل مروراً طفيفاً ولم تعدّلها جذرياً. وقاربت وظيفتها الاستراتيجية مقاربة خفرة من دون أن تنسفها تماماً. ووجه الغرابة في ذلك، هو أن الولايات المتحدة استمرت ولا تزال (وستبقى لسنوات آتية؟) متمسكة بإيثار مصالح وسياسات نحو ستة ملايين إسرائيلي على مصالح وسياسات 300 مليون عربي.. والمفارقة هي أن الأمر لا يطال الخلاصات الإفنائية كي تبقى السياسة (الأميركية) في مكانها، وإنما الضدّ تماماً، أي الخلاصات الباحثة عن تسوية فيها شيء من العدالة للشعب الفلسطيني وأشياء من العودة الى المسارات التطورية التطويرية الطبيعية لمجمل المحيط العربي والإسلامي.

بل الأغرب هو أن إسرائيل تبدو «أعمق» و»أهم» في الوعي الأميركي خاصةوالغربي عامة، من جنوب أفريقيا مثلاً! حيث تبيّن أن الفصل العنصري أضعف في المتانة الرابطة، من الهوية الدينية (اليهودية) للدولة.. وحيث ظهر أن منظومة المصالح المتحكّمة بالخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة لا تعني الشيء الكثير أمام منظومة تختلط فيها الأرقام المالية بأسفار العهدين القديم والجديد!

وبذلك، لا يعني شيئاً أن يُقال لصانع السياسة في واشنطن أو لصانع المال في «وول ستريت» أو للأميركي العادي، إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال تحتلّ أرضاً ليست لها، وتنكب ملايين البشر، وتعتمد سياسة فصل عنصري قائم على معطيَي الدين والعرق. فذلك شأنه شأن المقاربات التفضيلية بين الستة ملايين إسرائيلي والـ300 مليون عربي! وبين دور حاملة الطائرات أو القاعدة الغربية المتقدمة الذي لعبته إسرائيل طوال سنوات الحرب الباردة، وانتهاء ذلك الدور بانتهاء تلك الحرب!

.. التغيير الوحيد الذي «أصاب» إسرائيل نتيجة مستجدات العقدين الماضيين، كان في انتقالها للمرة الأولى في تاريخها الى البحث في ترسيم «حدودها»، ومن داخل رقعة انتشارها واحتلالها وانتهاء قصة «المجال الحيوي» الذي سرحت تحته في التوسع والاعتداء والانتهاك والاستيطان، على مدى العقود الستة الماضية.

يمكن أوباما أن ينفتح على كوبا، ويفعل المستحيل، لكنه في قصة إسرائيل، مثله مثل غيره، يلتزم ضوابط متصلة بكل شيء إلاّ بالمنطق الاقتصادي والإنساني والسياسي والأمني والاستراتيجي!

.. ثم بعد ذلك، يسأل الأميركيون شعوب المنطقة، أسئلة غريبة وخبيثة وتدّعي البراءة!!