إنّ المتابع لملف النفط والغاز في لبنان يدرك سلسلة من الوقائع لا بدّ من التذكير بها. من هذه الوقائع الثروة الكبرى التي تختزنها أرضنا ومياهنا البحرية، وهما كفيلتان بإجراء نقلة نوعية لهذا الوطن الصغير على المستويات كافة، مع ما تشعل من أطماع داخلية وخارجية للأرباح المنشودة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لغاية الآن منذ إقرار قانون 2010 والمراسيم التي أدت الى إنشاء هيئة ناظمة في هذا المجال، لا زلنا بعيدين من الوصول الى نعيم الخيرات والموارد الموعودة.
والمعوقات التي تعترض استخراج النفط والغاز، منها ما يعود الى أسباب جيوسياسية ناهيك عن التقنية. ومن هذه الاسباب الحاجة الى ترسيم الحدود مع كل من سوريا وقبرص واراضي فلسطين المحتلة والدفاع عنها بالطرق القانونية والديبلوماسية والعسكرية كافة.
وبالطبع لن تنفعنا الأعذار والحجج التي اعتدنا على سماعها، وهي العائدة الى الواقع الجغرافي المرير لهذا البلد الصغير. فما نحن بحاجة اليه اليوم للحصول على نمو ورفاهية للوطن ولأبنائه بتلاوينهم كافة، هو رشد وطني واعتماد على الذات يمكّننا من ترسيم السياسات التي نراها الأجدى لمصالحنا.
وقد قدرت هذه الثروة النفطية، كما هو معروف، بمئات المليارات من الدولارات، ما يسمح لنا ليس فقط أن نغطي عجز الدين العام، انما أيضاً أن نُنشىء صندوقاً سيادياً تستفيد منه أجيالنا الحالية والمقبلة. وكل ذلك يتطلّب، الى جانب المؤهلات العلمية والتقنية، إرادة سياسية ووعياً وطنياً كفيلاً برفع هذا الوطن المديون الى مصاف الامم الاكثر غناء ورخاء.
ولا بد لنا من التذكير بالمثل الشعبي القائل: (درهم مال بدو قنطار عقل)، فالثروة النفطية تذكّرنا بأننا بحاجة الى بلوغ سن الرشد الوطني. واذا تساءلنا: «هل النفط هو نقمة أو نعمة؟»، فإنه لا بد لنا أن نقول أيضاً إنّ الطبيعة والقدر، كأنهما قررا وضع مكافأة لبلوغنا سن الرشد الوطني وأيضاً عقوبات، إن تمسّكنا بنزعاتنا القاصرة عن الرشد بكافة أشكالها الطائفية والمذهبية والتحاصصية، فالثروات النفطية والغازية ليست بحد ذاتها لا نعمة ولا نقمة، وإنما تكون الواحدة أو الاخرى حسبما نفعل بها وبأنفسنا.
وهناك تحدٍ جديد يكمن في قدرتنا على بناء دولة المواطنة المتنوّرة والصحيحة القائمة على المساواة والتضامن الاجتماعي، وعلى وضع آليّات القرار الوطني المستقل، وما يتبعه من تحصين داخلي على الصعد كافة.
هذه هي الثورة الثقافية التي تشكّل المدخل الحصري للولوج الى ثروتنا النفطية.