مبادرتان ثقافيتان فكريتان مهمتان إحتفل بهما في عطلة نهاية الأسبوع… إحداهما على أعلى المستويات الرسمية، والثانية على مستوى المجتمع المدني المميّز. الأولى في قصر بعبدا، والثانية في بيادر رشعين على كتف زغرتا.
في القصر الجمهوري شاهدنا الوجه الثقافي للرئيس ميشال عون… شاهدناه مجازاً، باعتبار أنّ «مأساة السير المزمنة» في جونيه حالت دون وصولنا الى القصر الجمهوري في الموعد المحدّد تلبية لدعوة رئاسة الجمهورية… ونحن من الذين يتابعون فخامة الرئيس عون في مساره الثقافي بإعجاب كبير فهو من الذين يكتنزون ثقافة شمولية في المجالات الفكرية والإنسانية والعسكرية بالطبع… ولعلّه من القادة والحكام القلائل الذين ينمّون قدراتهم الثقافية باستمرار، فيعكف على القراءة والمتابعة… وهو لايزال يؤمن بأهمية الكتاب.
ويأتي إطلاق كتابه «ما به أؤمن»، أمس، من القصر الرئاسي دليلاً على أن هذا الرئيس هو نسيج وحده، خصوصاً في مرحلة ما بعد الأحداث … ولقد أصدر رؤساء عديدون كتباً كانت إمّا ما يتضمن خطباً وأحاديث أدلى بها في مناسبات عديدة ومذكرات عن الحقبة الرئاسية – وإمّا أن ما سوى ذلك يصدر بعد إنتهاء العهد… وفي هذا السياق نتذكر تحديداً الرؤساء بشارة الخوري وكميل شمعون والشيخ أمين الجميل الذين لا تزال إصداراتهم تحتل مواقعها في صدر رفوف المكتبات.
وحده الرئيس عون أصدر كتاباً في بداية العهد، بعد نحو خمسة أشهر على إنتخابه، هو الذي جرى إطلاقه أمس، ليأتي شهادة إضافية على رئيس تحتل الثقافة والأعمال الفكرية موقعاً متقدماً في إهتمامه… مع تكرار الأسف كون طريق العودة من الشمال قد اصطدمت، كالعادة، بـ«حاجز» جونيه المخزي والذي يدل على عجز وإهمال مزمنين دفع ضريبتهما مئات آلاف اللبنانيين الذين يتنقلون يومياً ذهاباً وإياباً ما بين بيروت وكل من كسروان وجبيل والبترون والكورة وزغرتا وبشري وطرابلس وعكار والضنية والمنية.
المناسبة الثقافية الفكرية الثانية كانت بدعوة من إيلي حديّد الذي يهجس دائماً بالحداثة والتطور ومغادرة نفق البلادة والردة والتردد. وعقدت في دارته في بيادر رشعين – زغرتا وضمت نحو 65 شخصية فكرية واعلامية وثقافية من كبار الأسماء اللامعة في قضاء زغرتا – الزاوية والتي رفد أصحابها الحركة الفكرية – الثقافية في لبنان والعالم العربي بإنجازات كبيرة في مجالات الصحافة والإعلام عموماً والتأليف والتعليم والموسيقى والمسرح والرسم والنحت والإخراج (…) ولعلّ أهم ما في هذه المناسبة الرائدة أن ثمة توافقاً على أن يكون اللقاء مدخلاً إلى حال دائمة، فقرّ الرأي على مبدأ اللقاء الشهري والتحوّل الى حال ثابتة بعيدة، طبعاً، عن التأطير الإيديولوجي والحزبي على أنواعه.
ولقد يكون سابقاً لأوانه إصدار حكم نهائي على مبادرة بيادر رشعين بانتظار التأكد من الإستمرارية والفعالية. ويحضرني في هذا المجال ذات محاولة إذ كنّا في صدد إنشاء هيئة أدبية مع كوكبة من كبار الشعراء والأدباء، ذات زمن من تسعينات القرن الماضي وبقينا ستة أشهر في دوّامة ما إذا كان الإسم الأفضل «الينبوع» أو «الينابيع» …وحتى اليوم نضب الينبوع وجفت الينابيع، وإنتقل بضعة مؤسسين الى الرفيق الأعلى، رحمهم اللّه… ولم ترَ الهيئة المنشودة النور.
وعسانا نعتبر!