حجم التهويل الذي يرميه على اللبنانيين فريق 8 آذار، أي «حزب الله» وملحقاته، من مخاطر «داعش»، يكاد في غضون أسابيع قليلة أن يطغى على كل ثقافة الضدّ التي بُنيت إزاء اسرائيل منذ أيامها الأولى.
.. والى حدّ أن المتلقي اللبناني يكاد أن يصدّق انه قبل الفوبيا الداعشية، لم تكن لديه أي هموم أو مخاوف أو هواجس أو بواعث قلق تُذكر.. وانه في الاجمال، غريب عن هذه الدار الاستنفارية القتالية السلاحية، وجاء أخيراً من يخدش مجسمّات أحاسيسه السلمية الحداثية النفنافة!
والحاصل هو أن مخاطر «داعش» الأحجية في الجوارين السوري والعراقي ضخمة ميدانياً وتزداد تضخيماً.. لكن مخاطرها الفعلية الوظيفية مركونة منذ البدء عند الهدفين المركزيين الكبيرين. الأول المتصل بإلحاق تشويه فكري عميق وغير مسبوق بالأكثرية الإسلامية في سياق استهداف العصب المركزي لهذه الأكثرية، أي المملكة العربية السعودية، والثاني المُلحق لكن بأفق سياسي راهني، المتّصل بإصابة الثورة السورية بتشويه إرهابي أُريد له أن يكون قاتلا!
لا يمكن في ذلك، التقليل من التأثير الذي تركته وتتركه الممارسات الدموية الصاخبة لـ»داعش»، خصوصاً وانها ترافقت وتترافق مع حرص أكيد ودؤوب على تعميمها على أوسع نطاق اعلامي تبليغي ممكن.. ولا يمكن بالتالي التقليل من حجم الارتباك الاختراقي الذي يمكن أن تحدثه تلك الظاهرة في بيئات تشعر انها مستهدفة أو تتعرض لمظالم لا تستحقها، ولكن «الهجوم المضاد» الذي بدأ على كل المستويات وبمبادرة سبّاقة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والتي انطلقت على أساسها حملة تنويرية واسعة وجذرية في لغتها، موازية لحراك عسكري أمني عربي دولي.. ذلك الهجوم أجهض مثلبة التشويه، أو استطاع أن يسدّ معظم منافذ تسرّبها، فيما يُفترض ميدانياً في المرحلة المقبلة أن يسدّ الكثير من التشققات التي سجّلت في العراق وسوريا.
الحاصل لبنانياً هو أن الاستثمار في «داعش» ووهجها، من قبل فريق 8 آذار أي من «حزب الله» وملحقاته، يذهب في كل اتجاه وخصوصاً في اتجاه توسيع العسكرة بدلاً من تقليصها، وتوسيع دائرة الاختراق للجسم المسيحي اللبناني قبل غيره، والبناء على «ثقافة الخوف» بما يعطي مردوداً سياسياً واضحاً!
وذلك الفريق يريد من تلك الثقافة أن توصل اللبنانيين عموماً الى «شكره» على تورّطه في الاتون السوري! وعلى استشرافه خطر البعبع قبل وصوله! وأن يضع الفريق المناوئ في خانة المتهم، المطلوب منه دائماً تقديم أدلة على «براءته»! وأن يدفع باتجاه فتح أي باب ممكن لإعادة تأهيل قصّة «التعاون والتنسيق» مع سلطة بشّار الأسد وأجهزته، بل يريد في أحد الابعاد، أن يصدّق اللبنانيون خبرية أن «الشرّ» السعودي يمنع «الخير» الايراني ويتصدى له! الى غير ذلك من هلوسات ما أنزل الله بها من سلطان!
.. الغريب، هو أن ذلك الفريق يعتمد على «ثقافة الخوف» لتسويق بضاعته السياسية والفكرية. وكأنه في ذلك، يقرّ صاغرا ان «ثقافة الممانعة والمقاومة» أفلست تماماً ولم يعد فيها ما يكفي من صدقية تعطي أي مردود مربح.
في الإجمال، نعم: الوضع اللبناني مخيف.. لكن، بالتأكيد، لا تأخذ «داعش» من عوامل بناء ذلك الخوف، إلا حصّة الوظيفة البعبعية!.. عيب!