IMLebanon

ثقافة مأزومة ومهزومة

يمكن أن يُفهم التوتّر الاستثنائي الذي يحكم خطاب أهل الممانعة الإيرانية، إذا ما وُضع في سياق ردِّ الفعل على صدمة «عاصفة الحزم» التي لم تكن لتخطر على البال والخاطر.. لكن تعابير ذلك التوتر سابقة على المعطى الراهن، بل هي مكوّن أصيل من مكوّنات تلك الثقافة الهجينة التي تجعل الشتيمة والإسفاف تتمة للعمل الميداني التخريبي والعدواني.

منذ زمن وتلك الركاكة الأخلاقية معتمدة من قبل تلك الممانعة إزاء كل آخر مختلف. وليست جديدة محنة العقل المتأتية من ذلك الفلتان الغرائزي في هذا المسرح المكشوف. لكن الجديد فيها هو أنها وبعد نحو عقد من اعتمادها المكثّف في كل شاردة خلافية وواردة أكثر مدعاة للاختلاف، أنتجت عكس مرادها. أي بدلاً من أن تضرب في العصب المركزي للخصم أو العدو، وتساهم في هزّ معنوياته وتحطيم درعه البلاغية والسياسية والفكرية، فعلت العكس تماماً: وسّعت مروحة الوعي المضاد. وأعادت تظهير الأساسيات على حساب الثانويات. وقرّبت المتباعدين، الى المتن الجامع بدلاً من الاستمرار في التلهّي بالهوامش. أي إنها في خلاصتها «ساهمت» بحرارة لا شكّ فيها، في إبراز الضرورة الحاسمة لمواجهة أخصام أصرّوا ويصرّون على أن يكونوا أعداءً!

والمخزي الموازي، بالأمس واليوم ودائماً، هو أن من يعتمد ذلك الانحطاط في اللغة والممارسة إزاء الآخر، يغفل عن تأثيرات زرعه في أرضه هو. وعن نوعية البناء التعبوي الذي يقدّمه لجيشه وأهل عصبته. وعن مقدار «المساهمة» (أيضاً) التي يقدّمها بيديه، صاغراً منشرحاً، لمسار تحطيم الذات وإنتاج آلية عمل ونشوء وتطوّر مشبّعة بالعنف والغريزة على حساب الجدال وأحكام المنطق والعقل السويّ.

والأكثر مدعاة للغرابة، هو إصرار أصحاب تلك الممارسة المسفّة على الاستمرار فيها برغم تأكدهم، المرة تلو المرّة، وفي أكثر من مناسبة صدامية، من لبنان إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن، أن نتائجها ارتدادية سلبية وليست إيجابية. أي لم تحطّم خصماً، ولم تهزم عدوًّا، ولم تحقّق نصراً، ولم تفتح باباً مقدسيًّا أو تحرّر قلعة أندلسية، أو تثبّت منصّة نفوذ مزعوم، بل العكس تماماً بتاتاً: زعزعت أركان ومقوّمات القوة المدّعاة من بغداد إلى دمشق ومن نوري المالكي إلى بشّار الأسد ومن الحوثي اليمني إلى نظرائه في لبنان!

.. وتلك في جملتها، مقوّمات ثقافة مأزومة برغم ستائرها الموشّاة بالشعارات النبيلة والكبيرة.. وطبيعي بعد ذلك، أن يكون جنى ذلك الزرع تراكم نكبات ومصائب وهزائم طنّانة لا يخفي حقيقتها، كلام «الانتصارات الإلهية»!