لا يكاد يمرّ يوم إلّا ويصدر عن الرئيس ميشال عون موقف من تشكيل الحكومة والرئاسة، ففي أيام كان الرئيس عون قد أنجز عملية الكشف عن موقفه الحقيقي من تشكيل الحكومة، وعاد الوزير جبران باسيل الى المقعد الخلفي، ليترك لعون خوض معركة الحكومة بنفسه، فزال الالتباس الذي تمّ زرعه في الأذهان بأنّ باسيل يعمل «كعناصر غير منضبطة» الى يمين عون، وتأكد أنّ الأخير ينطلق في مواقفه من سياسة وضعها رئيس الجمهورية لتحقيق أهداف لم تعد مضمَرة.
وتقول مصادر سياسية مطّلعة على مسار تشكيل الحكومة المتعثرة، إنّ وضوح الرئيس عون في مطالبه الوزارية أدّى عملياً الى فرملة تشكيل الحكومة بشكل كامل، إذ تحوّلت المواجهة على جبهات عدة إلى شلل في عملية التشكيل بحيث أوقف الرئيس المكلف سعد الحريري بشكل شبه كامل أيّ اتّصالات لتشكيل الحكومة لعدم جدواها في ظلّ الشروط المرتفعة.
فعلى المسار السنّي تقول المصادر إنّ الرئيس عون يريد أن يأتي بالرئيس الحريري بحصّة ضعيفة، بحيث تخترق حصتُه السنّية، وتكشف أنّ عون يستند في ذلك الى مطلب سوري بأن يتمّ توزير السنّة الحلفاء من خارج حصة رئيس الجمهورية، ونقلت عن الرئيس الحريري قوله في مجلس خاص إنّ النظام السوري يريد توزيرَ النائب فيصل كرامي والامير طلال ارسلان ويعتبر توزيرهما خطاً أحمر وإلّا لن تتشكّل الحكومة، ويرفض الحريري تبعاً للمصادر الانصياع لهذه المطالب ويردّد جملته الشهيرة منذ بداية الأزمة: المشكلة ليست عندي بل عند مَن يفتعل العقد، وبالتالي مستمرّ على موقفي ولن أتراجع.
أما على مسار العقدة القواتية فتشير المصادر الى أنّ المبادرة القواتية تجاه الرئيس عون لم تكن اكثر من موقف إعلامي، فعون بإحالته عرض القوات بالقبول بأربعة وزراء مع وزارة سيادية على الرئيس الحريري، انما رفض هذا العرض، وتشير الى أنّ موقف عون وباسيل هو اعطاء القوات ثلاثة وزراء ورفع العدد الى اربعة لكن من دون اعطاء القوات أيّ حقيبة سيادية أو إتاحة الفرصة لها لنيل حقائب خدماتية اساسية. وتضيف المصادر بأنّ القوات كانت تعرف موقف الرئيس عون من اتّفاق معراب الذي نعاه بالامس، لكنها انتظرت أن يصدر رسمياً، وبما أنه صدر فهو يؤكّد أنّ رئيس الجمهورية قرّر أن يلعب ورقة رئاسة باسيل وتشكيل الحكومة بثلث معطّل لفريقه بشكل مكشوف.
أما في الموضوع الدرزي فتلاحظ المصادر أنّ خروج الرئيس عون من التحفّظ الى خوض مواجهة مباشرة مع النائب وليد جنبلاط مرتبط بعاملين: الاول يرتبط بوجود طلب سوري مُلحّ بتوزير النائب ارسلان والثاني يتعلق بكون ارسلان الشخصية الدرزية القادرة على تأمين حليف درزي لرئاسة باسيل، ومن هنا يمكن تفسير تمسّك عون بتوزيره.
وتبدو الصورة حسب المصادر أقرب الى الإقفال الكامل، فالرئيس عون يتصرّف وكأنه غيرُ معنيٍّ بالتأثر بالفراغ الحكومي، وغيرُ معنيٍّ باعتبار أنّ هذا الفراغ يأكل من عهده، فيما أصبح الرئيس الحريري في موقع غير القادر على اعطاء المزيد من التنازلات، لا سيما وأنّ السلوك الرئاسي لعون الذي يعود الى الجمهورية الأولى بات يُحرج الحريري داخل تياره وبيئته.
وحسب المصادر فإنّ الرئيس عون يريد ثلثاً معطّلاً صافياً له وللتيار، باعتباره لا يملك حقّ الفيتو الدستوري (على عكس ما قال في احد تصريحاته الصحافية) وهو يريد الحكومة معبَراً الى خوض معركة رئاسة الوزير جبران باسيل، وإلّا فإنه لم يعد معنيّاً بتسهيل تشكيل الحكومة، وبالتالي فإنّ فراغاً حكومياً مديداً متوقعاً على غرار الفراغ الرئاسي، إلّا إذا قال «حزب الله» كلمته، ودفع باتّجاه التشكيل، والجميع بات يسأل متى وكيف سيعلن «حزب الله» عن موقفه من أزمة التشكيل.
في المقابل، تُشدّد اوساط «التيار الوطني الحر» على أنّ الرئيس عون بات متيقّناً من أنّ جبهةً يتمّ تركيبُها لإفشال عهده، وتسلّط الاوساط الضوء على دور القوات اللبنانية في تركيب هذه الجبهة مع تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط، وتقول بأنه اذا كان الدكتور سمير جعجع يعتقد أنه بعلاقته مع السعودية يمكن أن يلوي ذراع العهد فهو مخطئ، وأنّ الاحتماء بالسعودية لتعطيل تشكيل الحكومة سيفشل، وتعتبر الاوساط أنّ المرحلة تشبه مرحلة الاستقالة إذ إنّ القوى التي حرّضت على استقالة الحريري هي نفسها تسعى اليوم لضرب التسوية وإفشال العهد، وفي الوقت نفسه فإنّ القوى التي أفشلت استقالة الحريري تخوض اليوم معركة تشكيل الحكومة وستنجح، كما نجحت في إحباط مخطّط الاستقالة، وأكّدت على أنّ الرئاسة الفرنسية تدخّلت فعلاً لدى السعودية لتسهيل التشكيل، وهذا إقرار اضافي واعتراف بمسؤولية الطرف الذي يعطّل التشكيل، وتختم الاوساط بالتأكيد على أنّ الطرف الأول المعني بكلام الوزير باسيل عن خطة لضرب العهد هو القوات اللبنانية.