طغى الطرد المقنع للقياديين في التيار الوطني الحر جورج تشاجيان وزياد عبس على السباق المميز الذي يجريه التيار الوطني الحر للمحازبين الذين يأملون أن يكونوا مرشحي التيار إلى الانتخابات النيابية. فما يجريه التيار حدث ديمقراطيّ غير مسبوق في الحياة الحزبية اللبنانيّة حيث يذهب حملة البطاقة البرتقالية إلى صناديق الاقتراع لانتخاب من يجدونه أهلاً لتمثيلهم في المجلس النيابي
من فصّل النظام الداخليّ للتيار وقانون الانتخابات المناطقية وقانون انتخاب المكتب السياسي على قياسه، فصّل قانون اختيار النواب على مقاسه أيضاً.
يشوب القانون عيب كبير يحصر حق الترشح بالجامعيين فقط برغم وجود مزارع وجندي متقاعد ومعلّم بناء أقدر على تمثيل المواطنين من جامعيين كثر، إضافة طبعاً إلى تأمين الذرائع اللازمة لرئيس الحزب من أجل القفز فوق نتائج الاستفتاء اذا لم تلائمه نتائجه. إلا أن كل ذلك لا يحول دون متابعة السباق العونيّ بشغف. فها هم وزراء ونواب حاليون وسابقون وقياديون كانوا يعتبرون أن مظلات باهظة الثمن ستنزلهم في المجلس النيابي يعودون عند أبو جان ودانيال و»تيتا لويزا» وغيرهما من الناشطين العونيين لاسترضائهم هنا وهناك.
ومع إقفال باب الترشيحات يتبين:
أولاً، وجود مجموعة جبناء خافوا من انفضاح عريهم العونيّ فوجدوا الذرائع اللازمة للفرار في انتظار إفتاء رئيس الحزب جبران باسيل ما يضمن عودتهم إلى الكار لاحقاً.
ثانياً، وجود مرشحين من جميع الأشكال والأنواع. فهناك النائب البليد الحالي والنائب المتحمس ورجل الأعمل ومن يصف نفسه بالمناضل و»أصدقاء الوزير» ومن ليسوا أصدقاء الوزير، وغيرهم. الورقة الآن في ملعب الناخبين: هم قالوا في الانتخابات الحزبية المناطقية لا مدويّة لمن يوصفون بأصدقاء الوزير، ويتعين عليهم التجديد الآن لأي مرشح يشبههم في الشكل: في جبيل، النائب سيمون أبي رميا أم المناضل بسام الهاشم أم صديق الوزير ناجي حايك. في كسروان يتسابق أكثر من عشرة مرشحين يتوقع أن لا يتمكن أي منهم من القول في ختام اليوم الانتخابي إن الأمر له. في عكار السباق «أهليّة بمحليّة» بين أصدقاء الوزير برغم الحديث عن مفاجآت. في البترون لا بدّ من التزكية. في المتن أمام الناخب مروحة كبيرة من الخيارات، فهناك اثنان أو أكثر ممن يوصفون بالمناضلين ونقطة على السطر، ورجل الأعمال صديق الوزير ابراهيم الملاح والنائبان نبيل نقولا وابراهيم كنعان. وفي بعبدا هرج ومرج بين النواب الثلاثة الحاليين وأكثر من ثلاثة يشتهون كراسيهم.
في عكار السباق «أهليّة بمحليّة» بين أصدقاء الوزير، وفي البترون لا بدّ من التزكية
ولا شك أن النواب سيمون ابي رميا وناجي غاريوس وابراهيم كنعان وآلان عون يرتاحون إلى وضعهم فيما التحدي كبير أمام زملائهم زياد أسود ونبيل نقولا وحكمت ديب لإثبات حضورهم في صناديق الاقتراع. فهناك نواب حزبيون كانت أولويتهم استرضاء فعاليات مختلفة بدل الحزبيين أولاً، وإذا بآلية انتقاء المرشحين العونيين تعيدهم إلى مربعهم الأول. المشكلة الأكبر تواجه نقولا الذي ذهب في الوقوف إلى جانب النائب ميشال المر ضد هيئات التيار في ساحل المتن الشمالي حتى النهاية، فيما يترشح ضده من كان يعوّل عليهم.
ثالثاً لا شك أن الناخب العونيّ سيعبّر خلف الستارة البرتقالية عن رأيه بأداء وموقف المرشحين السياسيّ، لا فقط «بروفايلهم» الشخصي. فالاقتراع لنقولا أو الملاح أو حبيقة أو معلوف في المتن يعني أن العونيين يفضلون التفاهم مع المر بدل التصادم معه. الاقتراع لحايك في جبيل شيء، وللهاشم شيء آخر مناقض تماما. ففي التيار عملياً مجموعة تيارات تصب في مجرى واحد، لكن ستتضح الآن طبيعة المزاج الشعبي. مع معراب أم مع لقاء الأربعاء في المتن؟ مع دبلوماسية أبي رميا أم وضوح الهاشم أم محاولات الحايك تجميل ما يستحيل تجميله؟ عون في بعبدا أقرب إلى معراب، فيما يقيم ديب حيث يقيم باسيل، وغاريوس صديق نقولا وعباس الهاشم في لقاء الأربعاء.
رابعاً هناك من لديه الإمكانات بين المرشحين ومن ليس في جيبه قرش. هناك من ركب ماكينة «طويلة عريضة» لم يكلف نفسه تركيب مثلها في الانتخابات البلدية والنياية الماضية، ومن اكتفى بطبع صورته على قميصه وكتب فوقها مناضل عتيق، ومن يشهر سيف باسيل ويهجم.
علماً أن نظام الاقتراع (الصوت الواحد، أي one man one vote) فتت الإئتلافات التي نشأت في انتخابات المناطق الحزبية، فبات همّ كل مرشح اليوم أن يحصد شخصياً أكبر عدد من الأصوات. في المتن، مثلاً، هناك «بلوك» ينتخب كنعان، أما «البلوك» الآخر فستتشتت أصواته بين خمسة أو ستة مرشحين. في جبيل أبي رميا يحتفظ بـ»بلوكه» كاملاً، أما «البلوك» الآخر فينقسم بين ثلاثة مرشحين. المشكلة في أصدقاء الوزير أنهم جميعاً يريدون مناصب، ولا شك أن كثيرين سيبدأون معاملات تغيير المذهب إلى الأرثوذكسية بعد شغور موقع زياد عبس في الأشرفية.