الآن «راحت السَّكرة وجاءت الفكرة». والأرجح أنّ هناك صدمة تنتظر عدداً من القوى السياسية، السلطوية تحديداً، يوم 6 أيار، في عدد من الدوائر. فمزاجُ الناخبين يتبدّل سريعاً. وبعض أهل السلطة الذين راهنوا على الانتخاب «بعضلاتهم» قد يفاجأون بأنها خذلتهم، والذين تحمّسوا للقانون النسبي – التفضيلي ربما يكون ندماً.
يقول ناشطون في حملة «التيار الوطني الحرّ»: «عيوننا لا ترى النوم في هذه الأيام. ففي كل لحظة، تتغيّر المعطيات ونتائج الاستطلاعات، خصوصاً في دوائر جبل لبنان. لم نعد نعرف مزاج الناخبين، وكيف يتبدّل. وحتى الخبراء يقدّمون إلينا نتائج متناقضة. لقد صرنا ضائعين.
وكان مناسباً لو بدأنا التحضير للانتخابات قبل سنة أو سنتين، لنتعرّف جيداً إلى خصوصيات الانتخاب بهذا القانون العجيب»!
ويتحدث هؤلاء عن نقاط عدة تثير القلق، خصوصاً في دوائر كسروان- جبيل والمتن والشوف- عاليه. وهي الآتية:
1- يصيب القرف كثيراً من المناصرين بسبب تركيب لوائح «التيار» اعتباطياً، وعدم اقتناع هؤلاء بالتصويت لكل أعضاء اللائحة «دوكما». فبين الأعضاء مرشحون «مكروهون» أحياناً، وهذا القرف قد يدفع الناخبين إلى الاقتراع للوائح أخرى منسجمة الأعضاء والخط السياسي.
ويخشى «التيار» مقاطعةً شعبيةً جزئيةً للانتخابات، ما يخفّض نسبة المشاركة ويترك تداعياتٍ حاسمة على حظوظه في هذه الدوائر، حيث يراهن على كثافة المشاركة لتحقيق النتائج.
2- يخشى «التيار» عدمَ التزام القواعد الناخبة بلوائحه. فطريقة الاقتراع، باللوائح الجاهزة الصادرة عن وزارة الداخلية، والموحّدة، تسمح للناخب بأن يدلي بصوته في صندوق الاقتراع، خلف الستارة، من دون الإذعان لضغوط الترغيب والترهيب، ومن دون أن يكشفه أحد. وهذا أمرٌ يقلق «التيار» وذوي السلطة الآخرين، ويحدّ من تسلّطهم.
3- يبدو «التيار» مربكاً في التعاطي مع الصوت التفضيلي. فهو يريد توزيع أصواته التفضيلية على مرشحيه في اللائحة، لكنه عاجزٌ عن تقدير ما سيحصل عليه كل منهم، بسبب الغموض والإرباك في أوساط المناصرين وعدم القدرة على حسم اتّجاهات الفئة المتردّدة.
وهذا الأمر قد يؤدّي إلى حصول مرشحين في اللائحة على فائض من الأصوات، لا لزوم له، في مقابل سقوط مرشحين آخرين بسبب الشّح في الأصوات التي حصلوا عليها، خصوصاً في ظلّ نماذج «قايين وهابيل» داخل كل لائحة، حيث الصوت التفضيلي يفعل فعله «تحت الطاولة».
4- في عملية التحضير للانتخابات، ظهر أنّ ماكينة «التيار» الانتخابية لم تتأقلم مع القانون النسبي – التفضيلي، شأنها شأن عدد من ماكينات أحزاب السلطة، ولم تخرج من ذهنية قانون 1960 الذي عاشت عليه عشرات السنين. وتجلّى ذلك في الإرباك في التوجّه إلى بيئات الناخبين وتحديد الخطاب المطلوب لكل منها والتعاطي مع المفاتيح الانتخابية.
في المتن، مزاجُ الناخبين بدأ يرتدّ عكسياً على لائحة «التيار»، ليس لهذه الأسباب الأربعة فحسب، بل خصوصاً بسبب المبالغة في الضغوط التي مورست على الناخبين، ترغيباً وترهيباً، والتي شاركت فيها أجهزة وإدارات عامة، في ظلّ صمتٍ كامل من هيئة الإشراف على الانتخابات… حتى الآن، أي قبل 10 أيام من الاستحقاق.
ووفق المتابعين، إنّ الإمعان في الضغط استفزّ الناخب المتني. فالمتن هو قلب الحياة السياسية في جبل لبنان، وأبناؤه يُعتبرون تاريخياً الأكثر تمسّكاً بالتنوّع والتعددية السياسية. ولذلك، بدأت تظهر ردّة فعل معاكسة على ضغوط «التيار».
وكذلك، في جبيل – كسروان، يكشف الخبراء أنّ نسبةً من الناخبين تقارب الـ30% ما زالت متردّدة، ولم تحسم خيارها، على رغم الحملات المكثّفة التي يشنّها «التيار». ويعود ذلك خصوصاً إلى استياء الناس من حال عدم الانسجام السياسي بين أعضاء هذه اللائحة، وكذلك داخل اللائحة التي تجمع النواب الحاليين والسابقين والكتائب.
كما أنّ مبالغة «التيار» في تصوير أنّ لائحته هي «لائحة العهد» يستفزّ الناس لأنه يقحم رئيس الجمهورية في المعركة، علماً أنّ الرئيسَ حرص على تعريف نفسه بأنه «بَيّ الكل». ويبدو أنّ استعانة لائحة «التيار» بعباءة العهد للاستقواء بها بدأ يرتدّ عليها سلباً. فهو يوحي بأنّ أعضاء اللائحة قاصرون ويحتاجون إلى الدعم والرعاية.
وفي المقابل، هناك لائحتان تتواجهان سياسياً بخطابين مختلفين، ولكن واضحين، وهما: لائحة «القوات» التي تحمل عناوين سياسية معروفة، وكل أعضائها يخوضون المعركة تحتها. وتقابلها لائحة «التضامن الوطني» التي ينسجم أعضاؤها تحت عناوين «الخطاب الوطني والعيش الواحد واعتبار المقاومة عاملَ استقرار في مواجهة الإرهاب والاحتلال». وهي تعلن أنها تعمل تحت سقف «تفاهم مار مخايل» بين الرئيس عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
وفي دائرة الشوف – عاليه، الوضع مشابه. فـ»التيار الوطني الحرّ» أقام تركيبة تفتقر كثيراً إلى الانسجام بين أركانها وتوحيد الخط السياسي الذي يجمعهم.
وتبدو اللائحة أقرب إلى تجمّع انتخابي يتنازع عدد من أعضائه الصوت التفضيلي، فيما اللوائح الأخرى أكثر انسجاماً بين أعضائها وفي عناوينها السياسية، سواءٌ لائحة «المصالحة» التي تجمع 3 قوى سياسية هي جنبلاط و«القوات» و«المستقبل» أو اللائحة «المدنية» التي ترفع عناوين التغيير.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، يقول المتابعون عن كثب للمجريات في الدوائر الثلاث: اللعبة مفتوحة وكل التوقعات واردة. والقلق واضحٌ في لوائحه وخطابه الانتخابي.
ومن الحسنات التي لا يمكن إنكارُها في هذا القانون- على علّاته – هو أنّ الناخبين ليسوا مُجبَرين على كشف حقيقة خياراتهم الانتخابية مسبَقاً. وتتعذّر معرفة مَن اقترع لمَن.
ولذلك، إنّ كثيراً من الناخبين يحرصون اليوم على مسايرة هذه اللائحة أو هذا المرشح، إما لمصلحة وإما لخوف، لكنهم سيدلون بأصواتهم وفق ما يريدون خلف الستارة، ولن يكون أحدٌ قادراً على اكتشاف خياراتهم الحقيقية.
وهنا يظهر قلق «التيار». فهذه الانتخابات هي الأولى من نوعها التي ستشهد مفاجآتٍ على مستوى اللوائح والمرشحين، حتى الكبار منهم، من داخل منظومة السلطة، لا بسبب طبيعة القانون فحسب، بل أيضاً بسبب القرف المتزايد والتبدّلات السريعة في مزاج الناخبين.