جميل أن يجتمع متخصصون لمناقشة تطوير المناهج التربوية تطبيقاً لقرارات مؤتمر تربوي. ولافت ايضاً أن يناقش البعض في التوجهات التربوية المقبلة من دون مرجعية تستطيع حسم هذا الموضوع ونتائجه بقرار سياسي. أما السؤال فيكمن في مناقشة مسألة بغاية من الأهمية في هذا الوقت بالذات، والمؤسسات شبه معطلة، لا رئيس للجمهورية، ولا جلسات تشريع، بينما تتوقف المشاريع في مجلس الوزراء في انتظار التوافق على توقيع 24 وزيراً. وللعلم أن الكثير من المشاريع التربوية وغيرها لم تأخذ طريقها الى الإقرار في مجلس الوزراء، فكيف يكون الأمر عليه في مجلس النواب وهو لم يستطع عقد جلسة لإقرار مشاريع قوانين ضرورية للبلد وللناس وللمجتمع والاقتصاد؟ وقبل كل ذلك، ما الذي يمكن أن تفعله رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء في دفع عملية إعادة النظر في المناهج، وهي معيّنة بالوكالة؟
قد يكون من المبكر تقويم نتائج ورش عمل تطوير المناهج، فالأمر يحتاج الى الكثير، كي نصل الى مرحلة الجهوزية الكاملة لخوض تجربة جديدة في مسار تعديل المناهج، وقبل ذلك تقويمها. لذا، يبقى السؤال عن الأولويات، والتركيز على المواد التي بدا التراجع في تدريسها خطيراً في لبنان، وتلك المواد التي لا تزال تشكل عناوين خلافية في التربية. وقبل المناهج تبقى قضية الاصلاح في التربية وإعادة الهيكلة وحل مشكلات المعلمين وتعزيز التعليم الرسمي، ملفات اساسية كي تستقيم مستقبلاً عملية تعديل المناهج، أو طرق باب العناوين الخلافية في السياسة والتربية والتاريخ، والتي تقسم اللبنانيين، خصوصاً الطلاب والتلامذة، وتجعل ولاءهم للطائفة او المذهب، وليس للوطن والدولة والمؤسسات.
نسأل أيضاً، هل الوقت مناسب لنقاش مسألة تعتبر مفصلية في التعليم، فيما القطاع التربوي يعاني مشكلات وأزمات؟ وكيف نناقش في المناهج، وكأن لا شيء في البلد، والمؤسسات غير متوقفة عن العمل؟ سنذكر فقط أن التعليم الرسمي، وهو المعني مباشرة بتعديل المناهج، هو في وضع مأزوم، وعدد التلامذة السوريين فيه يوازي اللبنانيين لا بل أكثر منهم، وسلسلة رواتب المعلمين معلقة، ومستواه الى تراجع، فيما طلاب الجامعة اللبنانية الى مزيد من الاصطفاف الطائفي، تأخذ الحروب بعضهم الى محاور قتال خارج البلد، فهل تستطيع التربية انجاز تعديل للمناهج أو الشروع في ورشة نقاش يمكن أن تصل الى النهاية، فيما الجميع يعرف أننا نحتاج الى إصلاح شامل أولاً؟.
لنتحدث عن منهج التاريخ وكتابه، فالعناوين الخلافية المرتبطة بهما لا تقف عند مقطع أو نص تاريخي لحقبة معينة. الخلاف بنيوي وطائفي ومذهبي وشعبي وتربوي وأكاديمي أيضاً، ذلك أن قسماً كبيراً من تلامذتنا وطلابنا ايضاً، ولاؤهم ليس للوطن، وفق ما تعكسه الحملات والخطابات، هم باتوا ملتحقين بالإصطفافات وبالحروب القريبة والبعيدة، فأي مناهج تربوية علمية ستكون مناسبة لهم؟