مَن يراقب الأحداث الاقتصادية العالمية يرى أنّ أربع زيادات حادة في أسعار النفط توالت في العقود الأربعة الماضية، الأعوام ١٩٧٣، ١٩٧٩، ١٩٩٠ و٢٠٠٨ وكلّ ذلك أدّى الى ركود عالمي ما يعني أنّ خفض أسعار النفط حالياً والى مستويات تاريخية قد يكون إيجابياً بالنسبة للاقتصاد العالمي لا سيما الدول التي تستورد النفط الخام وبالتأكيد خسارة محتمَلة للدول المُنتجة.
تشير الأدلة الى أنه ومنذ أن بدأ سعر النفط بالتراجع شعرت الدول المنتجة بتأثيره في معدلات النموّ وميزانها التجاري وماليتها العامة لا سيما وأنّ ذلك لم يترافق مع زيادة في الطلب من الاقتصادات الكبرى لا سيما الصين والتي تشهد تباطؤاً في النموّ وأوروبا التي ما زالت اقتصاداتها تتعثر ما يعني ومع أسعار نفط تقترب من ٢٥ دولاراً للبرميل وجود أزمات مالية في الدول المحورية. وجاءت تحاليل صندوق النقد الدولي لبعض الدول كافية للقول إنها وإن لم تغيّر سياساتها الاقتصادية فهي ذاهبة لامحال الى الافلاس.
وإفلاس بعضها يعني فيما يعنيه وقف المشاريع والمساعدات والتي عادة ما ما كانت تقدّمها هذه الدول لحلفائها، لذلك يُعتبر انهيار أسعار النفط صوت إنذار للعديد من الدول التي اعتمدت وبشكل مفرط على النفط ولن يكون الخيار لهذه الدول سوى شدّ الأحزمة. وسوف تكون سنة ٢٠١٦ بداية عملية تكيّف اقتصادي واجتماعي وبطبيعة الحال سياسي.
وللعلم إزاء انخفاض سعر البترول وحرب باهظة التكاليف في اليمن وارتفاع اسعار الفوائد الأميركية نرى أنّ حكومات الخليج أمام خيار واحد وهو شدّ الاحزمة. ويقدر صندوق النقد الدولي أنّ الدول الست سوف تشهد عجزاً إجمالياً في ميزانياتها يصل الى ١٣ بالمئة من اجمالي الناتج المحلي هذا العام، ومع تغيّر طفيف في العام المقبل.
وللعلم هناك عوامل عدة غير مشجعة وتعني بأنّ النفط سوف تنخفض أسعاره أكثر فأكثر وذهب بعضهم بعيداً في القول إنّ سعر برميل النفط سوف يصل الى ١٠ دولارات لا سيما وكما سبق وذكرنا تساهم في ذلك زيادة العرض مع دخول إيران على الخط وزيادة انتاجها وتراجع اقتصادات الدول الكبرى وسط بوادر ضعف في الأسواق الناشئة.
لذلك لن يكون التراجع مضرّاً فقط بدول الخليج بل إنّ جميع الدول التي تعتمد على النفط باتت بحالٍ اقتصادية حرجة وسوف تُضطر الى إعادة النظر بموازنتها واستثماراتها وتجارتها والى ما يتأتى عن ذلك من تراجع في اقتصاداتها، لذلك يبدو أنّ هذه الدول تواجه تحدّيات لا سيما أنها لعقود خلت كانت تستفيد من النفط واليوم وللمرة الاولى منذ العام ١٩٧٠ ينخفض سعر البرنت الخام من ١١٥ دولاراً الى أقل من ٣٠ دولاراً.
وممّا لا شك فيه أنّ دول الخليج تتعرض لهذه الضغوط والمملكة السعودية شهدت عجزاً في موازنتها ضرب حجماً قياسياً وبلغ ٣٦٧ مليار ريال سعودي في العام الماضي. وهذا تتأتى عنه أمور عدة أقلّها تراجع في الاقتصاد والاستثمار وإمكانية تقويض آفاق الاقتصاد في منطقة الشرق الاوسط.
لذلك تواجه دول الخليج اليوم تحدّيات جمة ومواجهتها تعني أقله التخطيط للاستجابة لأزمة النفط الرخيص وخيارات تشمل إعادة هيكلية اقتصاداتها ومحاولة تنويعها. ومن غير المستبعد إعادة النظر في أجور القطاع العام وفرض ضرائب في دول عادة ما كانت تساعد مواطنيها في اقتصاد ريعي معروف وفي ظلّ سخاء كان ولغاية الآن كفيلاً في ضمان الاستقرار السياسي.
وهنالك خطط لخفض الإعانات والحدّ من نموّ رواتب موظفي القطاع العام واعتماد البلاد على النفط وخصخصة قطاعات. وإذا كانت هذه الاصلاحات لا بدّ منها فإنه لا بدّ من القول إنّ الصدمة النفطية تأتي في وقت ما يزال فيه الاقتصاد العالمي يواجه آثار الأزمة المالية ودورة نموّ ضعيفة ورفع أسعار الفوائد الأميركية ما يعني آفاق نموّ غير مشجّعة.
الى جانب ذلك تواجه اقتصادات الخليج تزايداً في أعداد السكان وموجة بطالة بين الشباب وارتفاع في العجز المالي ما يشير الى أنّ التحدّيات كبيرة ووجب عليها التحوّل من اقتصاد الدول الريعية الكلاسيكية وإيجاد حلول لمسألة إدارة موازنتها وديونها لا سيما وأنها تواجه عجزاً مالياً للمرة الأولى منذ عقدين.
وقد تشهد تحوّلاً لتمويل عجزها من الصناديق السيادية واحتياطي العملات الأجنبية التي تراكمت عبر السنين عندما كانت أسعار النفط في أوجها. وآفاق المستقبل تبدو غير أكيدة والتحدّيات كبيرة لا سيما والبنك الدولي يتوقع الحاجة الى ١٠٠ مليون فرصة عمل جديدة في منطقة الشرق وشمال افريقيا بحلول عام ٢٠٢٠ من أجل استيعاب جيل الشباب العاطل عن العمل.
ويبدو أنّ إيجاد فرض عمل يتجاوز قدرة السياسيين والبيروقراطيات التي تسود هذه الدول بدلاً من بناء الهياكل الأساسية التي يمكن أن توفر التنوّع الاقتصادي وفرص العمل وتنفيذ سياسة التمويع.
والسؤال الدي يطرح نفسه هل جاءت دول الخليج متأخرة لمواجهة هذا الواقع وهل يمكنها الخروج من ثباتها واعتمادها على النفط خلال مرحلة مقبلة قد لا تكون قليلة في ظلّ تراجع الاقتصاد العالمي وزيادة العرض على النفط والتنافس على بيعه؟ وهل يمكنها التكيّف مع هكذا وضعية وتخطي عصر المكاسب السهلة والانفاق المرتفع وعدم وجود الخيارات إلّا من خلال شدّ الأحزمة؟
هذه هي لعنة النفط وهذه هي التحدّيات الأبرز وقد لا تكون سهلة وقد تواجه هذه الدول حقبة أكثر صعوبة وفي ظلّ تراجع قطاع العقارات والخدمات المالية والعديد من القطاعات الأخرى.