IMLebanon

لعنة فخر الدين

هي لعنة فخر الدين المعني الكبير، مؤسس لبنان منذ القرن السابع عشر، على ما تقول الأسطورة المتداولة في لبنان. أسطورة تدرس في المدارس. ولم يُعِد أي مؤرخ النظر فيها. أصبحت من المسلّمات، يتناقلها جيل بعد جيل، ليس مهماً زرعه الطائفية وخضوعه التام للباب العالي ثم للقناصل الأوروبيين، وتأسيسه، منذ أربعمئة سنة، هذه العلاقة الزبائنية مع الخارج (بعضهم يعيد الزبائنية إلى أيام الفينيقيين). بل يعتبر ذلك منتهى الحكمة والبطولة (مجّده الرحابنة في مسرحية جميلة تحمل اسمه). ولأن اللبنانيين مولعون بالتاريخ ما زالوا يسيرون على نهجه، ويكرسونه بعد كل حرب أهلية يخوضونها بالنيابة عن الخارج كل بضع عشرة سنة. انتهى آخرها في تسعينات القرن الماضي.

الحكاية ذاتها تتكرر في القرن الواحد والعشرين. فقد مر أكثر من عشرين شهراً على الفراغ الرئاسي. «البلد ماشي» برئيس أو من دون رئيس. عشرون شهراً ولا يشعر اللبنانيون باليتم أو بالنقص في مسيرتهم الديموقراطية. أمراء الحرب الأهلية الذين أعادوا ترميم النظام، بعد انتهائها، ما زالوا هم أنفسهم يديرون اللعبة من مواقعهم القديمة المتجددة. صمتت مدافعهم ليخوضوا حروباً باردة. توهموا، وأوهموا الناس، أن بضعة مطاعم ومقاه تحيط المجلس النيابي ستشع نوراً يفيض ليعم دول الجوار. أما الذين ولدوا منهم بعد الحرب فقد ورثوا أباءهم، أو في الطريق إلى وراثتهم. بعضهم درس في الغرب وعاد سعيداً، منتظراً حرباً أخرى ليعزز زعامته.

هؤلاء يسعون إلى تنصيب رئيس بـ «التفاهم» مع الخارج. كل منهم تابع لدولة. ينفذ ما تريد من دون مناقشة، تماماً مثلما كان الوضع أيام الحرب الأهلية. من يحاول الاستقلال تقطع عنه المساعدات والأسلحة والتغطية السياسية. لذا ليس مهماً أن يتفق، أو يختلف، جعجع وميشال عون. المهم أن دول الإقليم لم تتفق بعد على شخصية الرئيس، على ما قال، محقاً، وزير الداخلية نهاد المشنوق. اللعبة ليست سياسية داخلية. وطالما أن الحروب المشتعلة في المنطقة لن تهدأ على المدى القريب فليس ما يمنع أن يستمر الفراغ في كرسي الرئاسة.

في معنى آخر، ليس مهماً البحث في الخلفية السياسية أو الثقافية أو السيرة الذاتية أو برنامج المرشح للرئاسة. البحث الوحيد المجدي (والمعيب) هو في مدى قوة ارتباطه بهذه الجهة أو تلك. ومدى قدرته على تجيير «جماهير» الطائفة لمصلحة هذا المشروع أو ذاك. مشروع ظاهره سياسي، لكن جوهره شخصي يقوم على الزبائنية، في معناها المالي التجاري. فأصحاب السلطة (هو التعبير الصحيح عن الحالة اللبنانية)، ومعظم المتزعمين لديهم مصالح تجارية عابرة للحدود، وأي موقف مخالف لسياسة هذه الجهة أو تلك يؤثر سلباً في التجارة (نشرت الصحف اللبنانية قائمة طويلة بالسياسيين أصحاب الشركات). فضلاً عن ذلك، يتنافس السياسيون اللبنانيون على تولي الوزارات الخدمية المعنية بالبنية التحتية للحصول على عقود والتزامات. وعندما تصطدم مصالحهم يتوقف الإعمار والبناء. وليس من مثال على ذلك أفضل من مسائل الكهرباء والمياه والنفط المكتشف منذ سنوات وما زال في باطن الأرض وقاع البحر بسبب الخلافات على الحصص.

لعنة فخر الدين الكبير يعتبرها اللبنانيون نعمة ومثالاً للعدل والبطولة والشطارة.