IMLebanon

«لعنة جبران»… لمَن وعلى مَن؟!

تركت مواقف رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل من الأداء الحكومي تحت شعار «حماية الميثاقية» ردات فعل سلبية وغاضبة. لكنّ معارضيه إختلفوا في تفسيرها والجهة المستهدَفة. فوجد مَن يقول إنّها طاولت بشظاياها حلفاءه وحلفاء حلفائه قبل الخصوم. وعليه كيف فرزت المواقف منها؟

لم ترصُد المراجع السياسية والحزبية أيّ مواقف رحّبت بسلسلة اللعنات التي وجّهها الوزير جبران باسيل في أكثر من إتجاه، على رغم التقائه في توحيد الخطاب السياسي ومجموعة من قياديّي «التيار» الذين حاذروا الذهاب بعيداً في ما ذهب إليه في خطابه ليل الجمعة الماضي، بفعل ردات الفعل السلبية التي تركتها مواقفه على أكثر من مستوى حكومي ونيابي وروحي وسياسي وحزبي، فواصلوا الحملة المنظّمة تحت عنوان استرداد الحقوق المسيحية و»حماية الميثاقية» التي باتت في رأي كثيرين من حلفائه ومعارضيه مجرّد وجهة نظر.

ومردّ هذا الخلاف يعود الى الخطأ الكبير المرتكب في الشكل والتوقيت والمضمون الذي اختير عنواناً للمواجهة الجديدة التي يخوضها «التيار» في ملف التعيينات العسكرية على المسرح الحكومي رغم معرفته المسبقة أنه يخوض حرباً في مواجهة أعداء افتراضيين لا وجود لهم بين حلفائه والخصوم على حدٍّ سواء.

وما زاد الطين بلة أنّ غالبية مكوّنات الحكومة تدرك الظروف الداخلية والإقليمية والدولية التي باتت تتحكّم بالملف العسكري والأمني الإستراتيجي. وتدرك عدم وجود أيّ مخارج أخرى سوى ما بات قائماً لأسباب كثيرة كلّها تملك عناصر القوة التي فرضت الآلية المعتمدة مهما قيل في دستوريّتها وقانونيّتها، لأنها باتت من أصول الضمانات التي حفظت حتى اليوم «الستاتيكو» العسكري والأمني القائم في لبنان تزامناً مع ما تشهده المنطقة من سيناريوهات عسكرية بالغة الخطورة، ونظراً الى ما هو متوقع من تطوّرات دراماتيكية في المرحلة المقبلة.

ويقول أحد المتابعين الذي يواكب المرحلة بأدق تفاصيلها إنّه من الصعب لا بل من المستحيل إجراء أيّ تبديل في المواقع العسكرية القيادية اليوم. فالشبكة القائمة على رأس المؤسسات العسكرية والأمنية باتت من ضمانات الإستقرار التي تستجرّ الدعم الدولي والإقليمي المتوافر للبنان وتبعده ما أمكن عن المتغيّرات الدراماتيكية التي تشهدها الساحة السورية، وما خبرته الأحلاف الدولية من تجارب عسكرية استخدمت فيها مختلف القدرات الديبلوماسية والعسكرية من مختلف أطراف المواجهة.

فالمعركة بلغت في رأي كثيرين منهم مرحلة من الخطورة في انتظار مَن يصرخ أولاً نتيجة عمليات عض الأصابع الجارية في أكثر من بقعة من بقاع التوتر والتي باتت ملفاً واحداً، وما ينسحب في منطقة ما ينعكس على الآخر مباشرة.

وإذ يذكّر هذا المتابع بالمعادلة العسكرية الثابتة القائلة بخطورة «تغيير الأحصنة في وسط النهر»، فإنه نصح كثراً وما زال بالهدوء والتروّي في مقاربة الملفات التي تُعنى بالمؤسسات العسكرية والأمنية التي باتت بديلاً من فقدان المؤسسات السياسية والدستورية.

ويستطرد ليقول إنّ غياب رئيس الجمهورية الناظم لعمل المؤسسات الدستورية، بات يلقي بعبء ثقيل على بقية المؤسسات غير العسكرية، وخصوصاً الشلل الذي أفقد المؤسسة التشريعية دورها الأساس في انتخاب رئيس للجمهورية قبل القيام بأيّ عمل آخر منذ شغور قصر بعبدا.

ولم يقلّل من مخاطر افتقاد المجلس دوره التشريعي ولو لمجرد الضرورة، كذلك الدور الرقابي الذي يُفترض أن يكون سيفاً مصلتاً على حكومة وُجدت لتكون بديلاً من توافق مفقود ولتحكم في ظلّ التوافق المستحيل في بعض الملفات المستحقة.

وهي حكومة يصفها أحياناً بأنها بديل من «هيئة مكتب المجلس النيابي» بتركيبتها ومكوِّناتها والحصص التي جمعتها، إذ تدار وتعمل على القطعة وتؤجل أيّ ملف لا يتحقق الإجماع حوله إما إلى طاولة الحوار الثنائي بين «المستقبل» و»حزب الله» أو إلى طاولة هيئة الحوار الوطني.

على هذه الخلفيات، يتطلّع المتابع نفسه الى حجم الأخطاء التي ارتكبها «التيار» في مواجهته الجديدة والتي دفعت بأركانه الى فقدان الرؤية الدقيقة والواضحة في مواجهة هذا الموضوع. فراح يضرب عشوائياً تارة بتوجيه اللوم الى رئيس الحكومة وتارة أخرى الى تيار «المستقبل»، وما بينهما مجموعة الوزراء المسيحيين الذين لا يشاطرونه الرأي والموقف، من دون أن ينجو منه الحلفاء.

فإذا به يقود معركة بلا عدو محدّد بعدما تعدّد الأعداء وبات أصدقاؤه وحلفاؤه وحلفاء الحلفاء من ضمن اللائحة عينها. ذلك أنّ أيّاً منهم لا يشاطره الرأي لا في التعيينات العسكرية ولا في اللجوء الى الشارع ولا في أيّ خطة تصعيدية يمكن ان تمسّ الحكومة التي شكلت غطاء لتصرفاتهم واستراتيجيتهم في المنطقة ولبنان، وهو ما سيدفع بهم الى الموقع المواجه لـ»التيار الوطني الحر» الذي لم يبقَ له نصير حكومي يشاركه في تغيير قواعد اللعبة.

لذلك ينتهي المتابع الى القول إنّ على «التيار» ترميم علاقاته الداخلية مع الحلفاء قبل الخصوم قبل تكاثر الأخطاء التي قارب بعضها الجرائم التي ترتكب في حق المسيحيين قبل غيرهم من مكوِّنات البلد وهي تزيد من الشروخ على الساحة المسيحية بلا بديل يُتَّكل عليه. فهامش الحركة ضاق أمامه الى الحدود القصوى والتجارب الأخيرة خير برهان. إنها نصيحة تُوجَّه اليه بمحبة خوفاً عليه وعلى المسيحيين وليس منه إطلاقاً.