Site icon IMLebanon

لعنة رجُل الأعمال

العلاقة بين «رجل الأعمال» أو حوت المال كما درجت العادة أخيراً على تسميته، أصبحت تطاول كلّ مَن يدفع معاشات نهاية الشهر بقطع النظر إذا كان الرجل المذكور له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمال العام أو بالاحتكارات والصفقات، فكلّ رجل أعمال حوت وعليه إثبات العكس علماً أننا في بلد من شبه المستحيل أن تكون ورقة التين كافية لحجب عورة الحرامي. الجميع يعلم كلَّ المناقصات والاحتكارات، والصفقات واضحة وضوح الشمس وكلّ مَن يستغلّ منصبه أو ماله من أجل صفقات مشبوهة ظاهرة للعيان رغم كلّ محاولات التلطي وراء الأصبع.

لكن لنعد إلى لعنة رجل الأعمال. إنّ هذه الثقافة ليست جديدة في المجتمعات الإنسانية بل عمرها من عمر التاريخ، وفي كلّ المجتمعات يأتي أحدهم، وعادة يكون هذا الشخص منحوساً، فاشلاً وغير قادر أن يؤمّن معيشته لأنه كسولٌ، حاقدٌ على كلِّ مَن يعمل، ليزرع بذور الحقد والغاية في اللاوعي إفقار الجميع ليتساوى معهم.

هذا النوع من الحقد الفاشل ليس جديداً على مجتمعنا ولا على المجتمعات الإنسانية في كلّ أصقاع الأرض. هنا لن أدخل في المهاترات العقائدية ولكن بحثت ومحّصت لأرى نموذجاً واحداً ناجحاً في كلّ العالم مبنيّاً على نظريات «إفقار الجميع» ولكنني ما زلتُ أبحث، وقد يكون أفضل مثال نعطيه عن إفقار الجميع يتمثّل في اليونان.

لا بدّ من توضيح أنني لا أقصد أبداً الأنظمة «الاجتماعية» والإشتراكية العادلة وأنا مع النظام الضرائبي العادل والذي يُشجّع الاستثمار «ويعاقب» الريع، وهذه قناعة مبنيّة على تجربة، والاقتصاد الألماني والبريطاني في العشرين سنة الأخيرة خير دليل على ذلك.

أما الموضوع الآخر، فهو الإصرار الشديد من البعض على اعتبار الخصخصة حراماً وسرقة! صحيحٌ أنّ كلّ محاولات الخصخصة في لبنان من السوليدير والاتصالات وأنصاف الخصخصة مثل مرفأ بيروت، كلّها تركيبات سرقة ونهب ولا علاقة لها بالشفافية لا من قريب ولا من بعيد، ولكنّ هذا لا يعني أبداً أنّ مبدأ الخصخصة مستحيل أن يكون شفافاً.

إنّ بيعَ القطاعات الاستراتيجية وغيرها من احتكارات الدولة للشعب اللبناني مع إدارة منتقاة من المساهمين ممكن، وقد يكون الحلّ الأمثل في لبنان. البواخر التركية تنتج كهرباء ونشتريها منها بـ 6 سنت أميركي زائداً الفيول. لماذا نجحت هذه التجربة مع الأتراك ولا تنجح مع الصناعة اللبنانية.

من الممكن تأمين كلّ حاجة لبنان من الكهرباء خلال أقل من سنتين بالمعادلة نفسها، فالخصخصة التركية مقبولة، أما خصخصة من لبنان وفي لبنان مرفوضة!

وهذا دليلٌ آخر على أنّ رفض مبدأ الخصخصة هو لتركيز المركزية المحتكرة. فلنتذكّر كاميرات بلدية بيروت والاتفاق بالتراضي حولها والسعر الرهيب والخرافي الذي تمّ إقراره في البلدية. وأخيراً الميكانيك وما أدراكم ما هوالميكانيك.

لو لجأنا الى الإستعانة بالقطاع الخاص ومئات الكاراجات الموجودة على الأراضي اللبنانية ووضعنا شروط حجم المؤسسة والآلات المطلوبة الخ…. ويسمح لكلّ «كاراج» يؤمّن الشروط المطلوبة بإجراء الفحص وإعطاء شهادة ميكانيك، من الممكن أن يتمّ الفحص بكلفة أقل بكثير على المواطن ودخل أكثر بكثير للدولة وننتهي من الطابور وتضييع الوقت والابتزاز، ناهيك عن وجود «كاراجات» مرخّصة لهذه الخدمة على مختلف الأراضي اللبنانية. وهذا النموذج معروف ومجرَّب في بلدان عدة.

إحتكر الميكانيك، ركّب تركيبة ولجنة فنّية لا تسمح للشركات أن تناقش القرارات، وكلّف المواطن اللبناني أكثر من 400 مليون دولار على مدى العشر سنوات….

اللعنة هنا مستورة ولم أسمع الى يومنا هذا اعتراضاً أو سؤالاً من هو حوت المال المحظوظ؟ جاء الاعتراض من الشركات المنافسة ولم يتم حتى فتح المظاريف للكشف على الأسعار بحجج فنّية مضحكة. وكما سمعنا فإنّ إحدى الشركات كان عرضها أقل بنحو النصف من الشركة الرابحة. أما الشعب المذبوح فلا حياة لمَن تنادي، الحصرية والاحتكار والمركزية شرّ مطلق مهندَس خصيصاً لمصالح الحيتان.

أخيراً يا جماعة أهل الخير، مَن هو الأسوأ الحوت أم البيرانا؟ الإثنان يكلفان الاقتصاد الوطني المليارات وعلينا محاربة الفساد من أين أتى. صحيح علينا شطف الأدراج من الأعلى الى الأسفل ولكنّ البيرانا لا تقلّ سوءاً عن الحيتان. حان الوقت أن تعطي صاحب الحق حقه ولا تشمل كلّ رجال الأعمال في سلة واحدة.