شعرت بالغضب والإهانة وأنا أسمع تصريح وزير العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يفاخر في مؤتمر APAC 2018 بأنّ إسرائيل نجحت في بناء اقتصاد قويّ لأنّها أدركت أنّ اقتصاد المعرفة هو المستقبل، وتحوّلت إسرائيل إلى نواة تستقطب كبريات شركات التكنولوجيا في العالم ، والتي أسّست مراكز أبحاث لها في إسرائيل مثل غوغل، فايسبوك وغيرها.
تذكرت مقال كنت قد كتبته في العام 2010 تحت عنوان «التطلع الى اقتصاد المعرفة» حيث نقلت مقالاً مقلقاً للصحافي دايفيد بروكس، بعنوان: «نواة تل أبيب» يقول فيه بروكس إنّ «تل أبيب أصبحت واحدة من أكثر مناطق العالم تقدماً في ما يتعلّق بمبادرات الأعمال. تتمتّع إسرائيل بأعلى معدّل إطلاق مبادرات أعمال واختراعات التكنولوجيا في العالم». النجاح التكنولوجي لإسرائيل هو ثمرة الحلم الصهيوني. فالبلاد لم تُنشأ لكي يجلس اليهود الشاردون بين الفلسطينيّين في الخليل، بل أنشئت ليكون لليهود مكان آمن يجتمعون فيه ويبتكرون الأشياء للعالم.
وقد قارنت حينها بين براءات الاختراع في لبنان وعدونا اللدود، وأردفت: «هذا هو المصير الذي نستحقّه عندما نقرّر أن نتجاهل أنّنا نعيش في القرن الـ21: عصر المعرفة والتكنولوجيا والابتكار».
في مؤشر الابتكار العالمي 2017 في إصداره العاشر احتلّ لبنان المرتبة 81 عالمياً متراجعاً من المرتبة 70 عالمياً في العام 2016، أمّا إسرائيل فقد احتلت المرتبة 17، لتظلّ في المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط للسنة الخامسة على التوالي، وقد أظهرت إسرائيل تحسّنًا في الإنفاق الإجمالي على أنشطة البحث والتطوير، وصادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وحافظت على مرتبتها العالية على مستوى العالم من حيث الباحثين، وصفقات رأس المال الاستثماري، والإنفاق المحلي الإجمالي على البحث والتطوير المموّل من قبل الشركات، والمواهب البحثية في المشاريع التجارية.
في مثال آخر وقبل 50 عاماً، كانت سنغافورة بلداً «متخلفاً»، يرزح سكَّانه في فقر مدقع، مع مستويات عالية من البطالة؛ اليوم هي واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بنسبة لا تصدق؛ إذ وصل إلى 70 ألف دولار أميركي، مما يجعلها سادس أكبر معدل للناتج المحلي للفرد في العالم. مع مساحة إجمالية صغيرة، وقوى عاملة من 3 ملايين شخص فقط، فإنّ سنغافورة قادرة على إنتاج ناتج محلي إجمالي يتجاوز 300 مليار دولار أميركي سنوياً، أي أعلى من الناتج المحلي الإجمالي لثلاثة أرباع العالم مجتمعين. كيف حققت هذا التطور ، ببساطة عبر الحفاظ على بيئة مواتية للاستثمار طويل الأجل في الاقتصاد، كانت حكومة سنغافورة ملتزمة على الدوام بمفهوم الكفاءة، وذلك للتعويض عن
«natural comparative disadvantages» بمعنى آخر افتقار البلاد للموارد الطبيعية المرتبط بكونها اقتصاداً صغيراً مع سوق محلية محدودة وحجم سكان صغير اي واقع مشابه للبنان، أدركت سنغافورة انّها بحاجة إلى تطوير نظام بنية تحتية فعّال ومنتج للمساعدة في تقليل تكاليف الإنتاج وجذب الأجانب المستثمرين والانتقال الى اقتصاد المعرفة.
ما يغضبني أكثر انّنا مستمرون بتجاهل عصر المعرفة والتكنولوجيا والابتكار حتى اليوم أي مشارف العام 2019 ، فلنتمكن من للبقاء على قيد الحياة في الألفية الجديدة، يجب أن تكون الاقتصادات متعددة الجوانب وأن تتكيف بسرعة مع البيئة المتغيرة في هذا العالم المترابط. والقدرة على تسخير استخدام المعلومات لإضافة قيمة إلى الاقتصاد التقليدي.
فكيف سنعيش في هذه البيئة ونحن نمتلك اكثر الاجراءات تعقيداً، من فتح شركة الى اغلاقها الى منح رخص لأيّ نشاط، مستمرون وكأننا نعيش في عصر عثماني وكان العالم يستطيع ان ينتظرنا شهوراً لمنح رخصة، عمليا نعيش خارج الوقت والمنافسة.
كيف سنؤمّن بيئة إبداعية حاضنة لأفكار الشباب الابداعية اذا كنا شبه معزولين عن الشبكة العالمية ، فمثلاً خدمة pay pal لدفع ثمن مشتريات من eBay لا تقبل بطاقات ائتمان صادرة من لبنان! امّا خدمة البريد السريع عندنا حدّث ولا حرج ، اذا اردنا استيراد قطعة الكترونية لا يتعدّى سعرها دولارين ندفع رسوم وضرائب والأهمّ خدمة التخليص 10 أضعاف سعر القطعة، يترافق ذلك مع وجع اعصاب من التأخير، لبنان عملياً معزول عن شبكة التجارة السييبيرية.
كيف سنشجع على الابتكار والاختراعات اذا كانت مصارفنا لا تدعم الفكرة او الاختراع، والشاب المحظوظ لاطلاق فكرته هو من يمتلك بيتا او قطعة ارض لرهنها! المركزي يدعم كفالات والمصارف التجارية تصرّ على الرهن؟
كيف سننتحول الى بيئة حاضنة للابتكارات ، ومرفأنا لا يعمل الا 6 ساعات يومياً ويقفل خلال الاعطال الرسمية حتى لو كانت 3 ايام متتالية ، والفعالية حدث ولا حرج؟
كيف ستزيد فعاليتنا الاقتصادية ونحن نصر على اكبر عدد فرص رسمية لنراعي كافة الطوائف ، مجتمع لا مشكلة لديه ان يكون مكسوراً اقتصادياً ويتزايد عجزه المالي ، ولكن مصيبة قومية اذا مرّ عيده الديني من دون اقفال كافة المرافق الرسمية والمعابر البحرية في البلاد؟
كيف سنحول طلابنا الى مبتكري ومخترعي المستقبل ومدراسنا الرسمية وبعض الخاصة لم تدخل بعد الاساليب التكنولوجية الحديثة ضمن الناهج! ولا زلنا نتغنى بقصائد المتنبي مصرين انها الطريق الافضل للتعليم، مع منهج دراسي لم يتغير منذ سنين؟
كيف سنتمكن من الدخول في عالم تكنولوجيا الاتصالات اذا كانت اتصالاتنا لا تزال الاغلى سعرا ، وانترنت بطيء، من دون افق لسياسات ثورية؟
كيف سنشجع على ريادة الاعمال وما زلنا نعاقب المنتج ونكافيء الخمول ونعظم الفاسد ونحترم السارق ونرفض محاسبة حتى من انتخبناهم؟
كيف سنجذب مستثمرين اذا كنا لم نتمكن حتى اليوم من افهام المواطن مفهوم قوانين السير ولم نطبق قانون عصري يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، ولا نستطيع حتى معاقبة سيدة قامت بالتعدي على شرطي سير وتصويره، ولا نقوم بحملات اعلانية اعلامية وتربوية لتثقيف المواطن حول حضارة واخلاق مع شرح لقوانين السير؟
او من سخرية القدر حتى كيف سنحقق كل ذلك ونحن عاجزون عن تأليف حكومة، ومصرون على فكرة حكومة الوحدة الوطنية لنقل الخلافات الى داخلها وتعطيلها قبل ان تتشكل، اقترح عليّ صديق مقرّب ان تنأى الاطراف السياسية عن تمثيلها في الحكومة، ويتم تعيين حكومة خبراء واختصاصيين مشهود لهم من خارج لبنان او داخله، لنقل البلاد من حالة الشلل الاقتصادي الذي ينذر بكارثة واطلاق خطة طوارئ اقتصادية سريعة تغير النهج القائم. وانا اؤكد ان الارقام لا تكذب نحن مقبلون على كارثة اقتصادية اذا لم نتحرك اليوم.
منذ عشرين عاماً حتى اليوم نحذر من استمرار السياسات نفسها، نحذر من انعدام الكفاءة الاقتصادية اللبنانية، نؤكد ان السيادة يجب ان تكون اقتصادية بامتياز، منذ عشرين عاماً حتى اليوم السلطة السياسية لا تسمع، وننتقل من إبرة مورفين واحدة تلو الاخرى والمورفين كما يعلم الجميع يؤدي الى الادمان والارتهان ونحن ما زلنا نعتقد انهم لن يسمحوا بانهيار البلد علماً انّ كلّ أسباب الانهيار واضحة لمن له اذنان سامعتان وعينان تقرآن و تفهمان. الأكثرية الساحقة من اللبنانيين أصبحت على قناعة بأننا وصلنا الى الهاوية وهم أنفسهم انتخبوا في الانتخابات الأخيرة وهنا أرى ان أنهي مقالتي بالتأكيد بأنّ بعض المسؤولين بعيدون عن علم الاقتصاد وبالتالي عن خارطة طريق الاصلاح وهذه يجب ان تأخذ بعين الاعتبار التفاصيل المملة لكل الاجراءات المعتمدة في لبنان.