«عين دارة تُرحّب بكم»… بالحرارة عينها التي تستقبلك بها هذه البلدة في قضاء عاليه، يتنافس أهلها على مجلسها البلدي المكوَّن من 15 عضواً. حرارة تغلبها النزعة التنافسية العائلية بامتياز، حوّلت المعركة إلى معركة «كسر عضم»، حيث يضيق الأفق أمام الحسابات الحزبية وتبقى الكلمة الأخيرة للعصب العائلي. وما يُضاعف حماوةَ الاستحقاق خصوصيّة الحضور الدرزي في بلدة ذات أكثرية مسيحية، لذا يحلُّ «التشطيب» ضيفاً ثقيلاً على هذه المعركة.
على رغم التنوّع الحزبي، من حضور قواتي، عوني، إشتراكي، إرسلاني، وهابي، في بلدة لا تتجاوَز مساحتها الـ 25 كلم مربّع، تبدو المعركة الانتخابية محصورة بين العائلات، وحظوظ التوافق لا محلّ لها من الإعراب.
يشكّل الموارنة ألفَين و4 أصوات، فيما الروم الأرثوذكس ألفاً و372 صوتاً، أمّا الدروز 910 أصوات، بحسب لوائح الشطب. تُعتبر عائلات بدر، حدّاد ويمّين أكبرَ العائلات في عين دارة. وقد ساد عرفٌ لفترة طويلة بأنّ رئاسة البلدية تذهب لعائلة حدّاد، ولكنْ قبَيل الاستحقاق البلدي خرجَت أصوات تطالب بتغيير هذا العرف، وبأن تنتقل الرئاسة إلى عائلة ثانية، وتحديداً بدر، طالما إنّها تفوق حدّاد عددياً.
وفي هذا الإطار، يوضح المختار مسعود بدر لـ«الجمهورية»، أنّ «عائلة بدر تعدّ بمفردها ألف و149 صوتاً بحسب اللوائح الانتخابية، فيما حدّاد نحو 900 صوت ويمّين نحو 700 صوت». لذا ترتسِم معالم المعركة بين إبقاء القديم على قدمِه أو السير بعكس العرف.
في الكواليس…
لرئيس البلدية الحالي سامي حدّاد رصيد كبير بين أهله، فهو رئيس منذ نحو 14 عاماً، إلّا أنّ الأجواء المتشنّجة التي تشهدها البلدة في الآونة الأخيرة، جعلته يُعيد النظر في ترشّحه، محاولاً بذلك تجنيبَ البلدة ما أمكنَ من تداعيات المعركة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ عائلة حدّاد في مرحلة عقدِ لقاءات وتشاورات مكثّفة للخروج بأسماء تلقى ترحيباً لدى الأهالي، وآخِر المعطيات تميل إلى الصياغة الآتية: أن تكون رئاسة البلدية مداورةً بين الرئيس الحالي سامي حداد و3 سنوات لرئيس البلدية السابق فؤاد حداد… بما يعكس تمسّكَ عائلة حداد بالعرف الذي تبنّاه الأجداد في عين دارة.
وفي هذا السياق، يوضح سامي حداد لـ«الجمهورية»: «حتى الآن لم أحسم موقفي، فالمعركة عائلية وأكثر، وحتى الآن لم أؤلّف لائحة أو أنسحب نهائياً». ويضيف بنبرةٍ لا تخلو من العتاب: «في عين دارة لكلّ عائلة حصّتُها. هذا العام نشهد محاولة لتغيير العرف بالقوّة وليس بالتفاهم، مما وَلّد إشكالاً كبيراً، نخشى أن يؤدّي إلى نتائج عاطلة».
ويلفت الى أنّ «المسألة معقّدة في عين دارة، ومبدأ تغيير العرف لم يُطرَح بهدوء، ولم يُعطَ المجال الكافي للتشاور، لذا وبنتيجة الأسلوب المعتمَد بالقوّة فإنّنا نشعر بمرارة، ممّا يُسبّب تشنّجاً بين العائلات وتوتّراً لا نتمنّاه لبلدتنا»، مُتمتِماً: «أيام الحرب وعبَرناها بهدوء قدر المستطاع».
ويشير حداد إلى معاناة الأهالي من الظروف القائمة، قائلاً: «يعاني اللبنانيون برُمّتهم من أزمات متعدّدة، إقتصادية، إجتماعية، وكثافة أجانب، ووسط أجواء التمديد اللاحقة بالمؤسسات الرسمية، وجَد بعضُهم في الانتخابات البلدية «فشّة خِلق»، للتعويض عمّا يعانون منه ربّما لأنّهم «مخنوقين».
أمّا عن موقفه من المداورة وجدواها، يقول: «هذ الأسلوب ليس الأوّل ولا الأخير، فمختلف البلدات تعتمده، وإذا كان من شأنه تجنيب أيّ بلدة معركة فهو مرحَّب به».
لائحة «الكلّ عين دارة»
في وقت يترنّح موقف عائلة حداد وسط غموضٍ دامس، تشارف لائحة «الكلّ عين دارة» على الاكتمال، وأبرز مدماكيها العميدان فؤاد هيدموس ومارون بدر. وفي هذا الإطار يوضح مصدر مسؤول مواكب للمعركة الانتخابية: «أنّ اللائحة لا ينقصها إلّا اللمسات الأخيرة وسط أجواء من الديموقراطية والتنافسية الإيجابية»، مشيراً إلى «أنّ البرنامج الانتخابي سيُعمَّم في غضون أيام».
أمّا بالنسبة إلى خلفية خوض المعركة والعمل عكس العرف السائد، فيوضح المصدر: «تحتاج البلدة لأداء مختلف عمّا شهدته، يلبّي احتياجات أهل البلدة أكثر ويُحاكي قناعاتهم، والسنواتُ الماضية لم تكن بقدر طموح الأهالي، بصرف النظر عن العرف السائد، فالمسألة أبعد من ذلك».
ويشدّد المصدر على أنّ «لائحة المجلس متنوّعة، تضمن تمثيلَ العائلات كافّة، ومنها: حداد، بدر، يمّين، زيتوني، عطالله ويحيا…، وكلّ عائلة بحسب حجمها»، مشيراً إلى «مراعاة الحضور الدرزي في المعركة».
ويوضح المصدر «أنّ الرئاسة ستكون مداورةً بين هيدموس (أرثوذكسي)، وبدر (ماروني)، لكلّ منهما 3 سنوات»، مستغرباً في الوقت عينه، سعيَ البعض إلى حصر خيارات الأهالي «في عائلة واحدة وبإسمين سبقَ لهما أن توَلّيا رئاسة البلدية».
الحذر من «التشطيب»
ما يزيد المعركة حساسيةً ليس فقط الطابع العائلي، إنّما المنحى المذهبي الذي قد تنزلق إليه. ففي هذه البلدة يُشكّل الدروز 15 في المئة من نسيجها، لذا يبرز الهاجس من التشطيب لدى الحريصين على إبقاء التنوّع الطائفي. ويقول أحد المتابعين للمعركة الانتخابية: «إذا لجأت غالبية الأهالي الى التشطيب، فلن يشعر الدرزي بأمان».
ويَستشهد المصدر بمعركة المخترة الأخيرة، قائلاً: «هناك مختاران في عين دارة، وفقَ العرف المعتمد، الأوّلُ مسيحي والثاني درزي، ولكن نتيجة التشطيب، فازَ مختاران مسيحيّان ممّا رفع منسوب الحساسية بين الأهالي».
ويُضيف: «مِن هنا نعمل في هذه المعركة على ألّا يصل الدرزي إلى حدّ فقدان الشعور بالأمان، والتوفيق قدر المستطاع»، مؤكّداً «أنّ مراعاة الحضور الدرزي من الخطوط الحمر التي لا نسمح بتجاوزها والتسبّب بالمشاكل».
حاجات إنمائية
وسط حماوة المعركة، يُعدّد الأهالي في مجالسهم ما تحتاج إليه المنطقة من حاجات إنمائية، منها تأمين المياه يومياً للمنازل، «كلّ 3 أيام بتِجي المَي مرّة»… «مشكلة المياه كبيرة، في الشتاء «منعبّي».. على حدّ تعبير الأهالي.
ويوضح أحد أبناء البلدة: «لقد تمّ حفر بئر إرتوازي ولكن من دون تأمين الإمدادات اللازمة له وربطه بالشبكة على نحو يلبّي حاجات الأهالي»، متمنّياً لو أنّ البلدية «تنشَط أكثر على خط تعزيز الخدمات ولا تستسلم للبطء الإداري».
أمّا المشكلة الثانية التي يشكو منها أبناء عين دارة، فتتمثّل في تقلّص فرَص العمل: «الوظائف المتاحة معدودة، ولا تلبّي احتياجاتنا وتنوُّعَ تخصّصاتنا ولا حتى عددنا»، على حدّ تعبير أحد المتخرّجين، لذا منهم مَن غادر البلدة وآخرون هاجَروا خلف أحلامهم.
مِن الواضح أنّ المعركة في «عين دارة» على أشدّها، ولا حظوظ للتوافق، ويبقى الرهان على حكمة أبناء البلدة في التعالي عن حساباتهم الخاصة وإبقاء مصلحة البلدة فوق أيّ اعتبار بما يضمن بقاءَهم وعيشَهم بأجواء من التآخي.